Author

تدوير المخلفات والعائدات الاقتصادية

|


تحول النفايات أو المخلفات إلى صناعة ليس جديدا. وقد بدأت بالفعل منذ أكثر من عقدين في أغلب البلدان المتقدمة التي وفرت ما تستطيع من أدوات لوجستية وإجرائية وقانونية، لدفع هذه الصناعة إلى الأمام مستندة في ذلك إلى التزاماتها الوطنية والعالمية بحماية البيئة. وهذه الأخيرة باتت أيضا منذ أعوام عديدة محورا رئيسا في السياسات المحلية والعالمية. وفي العقود الماضية ظهرت أحزاب سياسية تعنى بالبيئة بكل أشكالها، وهذه الأحزاب صارت اليوم تحتل مقاعد مؤثرة في البرلمانات الوطنية وفي الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة (مثلا) حققت أحزاب الخضر انتصارا كبيرا، وأصبحت عاملا مؤثرا جدا في صنع التشريع السياسي. ولذلك فإن قطاع "صناعة" النفايات حصد دعما كبيرا، ولا يزال يتمتع بهذا الدعم على الصعيدين السياسي والتشريعي.
وعلى هذا الأساس لا غرابة في وصول حجم سوق إدارة النفايات على الساحة الدولية إلى ما يقرب من 500 مليار دولار. وقد وصلت القيمة الإجمالية للشركات العالمية في صناعة تدوير النفايات إلى أكثر من 100 مليار دولار. واللافت هنا أن الشركات الأمريكية مهيمنة بصورة واضحة على هذه الصناعة إلا أن الشركات في البلدان الكبرى الأخرى تتقدم هي الأخرى من خلال دعم عملياتها مستفيدة بصورة أساسية من التسهيلات الحكومية والبلدية لها، والسيطرة على النفايات أو المخلفات لا تهدف فقط لحماية البيئة، بل تشمل أيضا حماية الصحة العامة التي تمثل في حد ذاتها هدفا اجتماعيا وسياسيا لكل الحكومات المسؤولة. ولذلك، هناك مؤسسات غير حكومية وغير ربحية أيضا تعمل على نشر الثقافة والتوعية في هذا المجال، بما في ذلك تدريس السيطرة على النفايات حتى لتلاميذ المدارس الابتدائية.
اتخذت إجراءات كثيرة في الأعوام الماضية، بما في ذلك منع استخدام الأكياس البلاستيكية إلا مرة واحدة فقط في المحال والمتاجر، وفرض رسوم على هذه الأكياس في كل المحال. كما أن حملات التوعية تطرح مسألة التبذير الغذائي الأسري، وتشجع على ضرورة التوقف عن هذه السلوكيات ليس فقط لتوفير المال، بل لتوفير الضغط على البيئة، واتبع أغلب المحال التجارية الكبرى في البلدان المتقدمة أسلوبا منذ أعوام يضمن عدم رمي الأطعمة التي تنتهي صلاحياتها في المزابل. وتقوم هذه المحال بتوزيع الأطعمة والمنتجات على مؤسسات خيرية قبل انتهاء صلاحيتها بوقت كاف لاستهلاكها، وبسبب التشكل المستمر لهذه الثقافة، صارت مسألة تدوير النفايات جزءا من الحياة العامة. وتقوم البلديات بفصل مهني متطور للنفايات بما يسهل عملية وصولها إلى شركات التدوير.
يقدر البنك الدولي ما يولده سكان الكرة الأرضية من النفايات الصلبة بنحو 2.1 مليار طن سنويا، و33 في المائة من هذه المواد لا تتم معالجتها بطريقة آمنة. ولذلك فإن الجهات الحكومية المختصة تشجع شركات تدوير النفايات على مواصلة تطوير أدائها، لحماية الناس والبيئتين الحيوانية والبحرية في كل مكان. ومن هنا يمكن القول: إن مستقبل صناعة تدوير المخلفات يبدو واعدا جدا، مع انتشار الثقافة الشعبية للحفاظ على البيئة والصحة، وتوفير التسهيلات اللازمة للتخلص المنزلي من هذه النفايات، عبر فصلها منزليا. مع ضرورة الإشارة إلى أن جزءا من عمليات التدوير هذه تسهم بها الشركات المنتجة للمواد المدورة نفسها، وفي أغلب الأحيان تدفع أموالا للتخلص منها بالطريقة السليمة. وهناك كثير من القوانين المشددة والمتجددة على أي جهة لا تعمل بصورة إيجابية في إنتاج وحصر النفايات.

إنشرها