Author

العملات الآمنة وشبح الركود الاقتصادي

|


تتصاعد المخاوف من حدوث كساد اقتصادي عالمي واسع، بينما لا تبدو في الأفق أي مؤشرات على إمكانية ظهور تفاهمات فاعلة بين المسؤولين في البلدان الكبرى فيما يتعلق بالخلافات التجارية بينها، التي وصلت منذ أشهر عديدة إلى حد الحرب والمعارك التجارية الجانبية. وهذه النقطة على وجه الخصوص أسفرت في الأيام الماضية عن تراجع مخيف للأسواق المالية العالمية، ولا سيما مع تراجع العوائد على السندات الأمريكية، وغير ذلك من علامات ركود وطني هنا وهناك، ربما تصل إلى مرحلة الكساد العالمي. كل الجهات تحذر من هذا الكساد، وتدق أجراس الخطر بعد أشهر قليلة فقط من زوال تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008. فالمستثمرون يبحثون عن الميادين الآمنة في ظل حالة عدم اليقين العالمية هذه.
وفي المرحلة الماضية أيضا حقق الذهب والمعادن الثمينة مكاسب كبيرة، فاقت حتى العوائد في الأسواق المالية. وكان السبب الرئيس وراء ذلك الحالة الاقتصادية الراهنة والتدهور الخطير في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على وجه الخصوص. فهذان البلدان اللذان يتمتعان بأكبر اقتصادين في العالم أخذا منذ فترة أيضا في تبادل الإجراءات الانتقامية ضد بعضهما بعضا. ناهيك عن الخلافات التي وصلت إلى حد المعارك التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تلك الخلافات التي لم تنته بعد بين اليابان وكوريا الجنوبية. كل هذا يحدث والاقتصاد العالمي يسير بصورة واضحة نحو الكساد. ما دفع المؤسسات العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين إلى إطلاق التحذيرات تلو الأخرى من مغبة هذا الكساد.
بالطبع يتحرك المستثمرون نحو حماية أموالهم، وأخذوا يجنحون إلى شراء عملات الملاذ الآمن. وعلى الرغم من الهدوء الذي تتمتع به الأسواق المالية، إلا أن هناك مخاوف أيضا من عودة التوتر إلى ميادينها في الأشهر المتبقية من العام الجاري. وفي الأيام القليلة الماضية ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين إلى ما يفوق عوائد السندات لأجل عشرة أعوام. وهذا يعد مؤشرا خطيرا لركود مقبل لا محالة عند كثير من المراقبين. والذي يزيد ترجيح هذا الاعتقاد أن التباطؤ الاقتصادي يمضي قدما. ففي ألمانيا مثلا سجل النمو تراجعا ملحوظا منذ بداية العام الجاري. ومن المتوقع أن يواصل على الوتيرة نفسها حتى نهاية العام. ومشكلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" تتعمق يوما بعد يوم، وسط تصاعد التوتر على الساحتين الأوروبيتين السياسية والاقتصادية.
لهذه الأسباب وغيرها يزداد الإقبال الاستثماري على العملات الآمنة. صحيح أن بعضها شهد استقرارا في القيمة، لكن الصحيح أيضا أنها تحقق أهداف الاستثمار على المدى المتوسط وسط الحالة العالمية المشار إليها. سيشهد الاقتصاد العالمي في الأشهر المتبقية من العام الجاري مزيدا من التوتر، ليس فقط بسبب تفاقم الأزمة التجارية بين واشنطن وبكين، لكن من جراء عدم التفاهم المطلوب بين قيادات الدول الكبرى المؤثرة في صنع القرار العالمي. فقمة "مجموعة السبع" التي عقدت في فرنسا، وإن كانت أفضل من سابقتها التي انعقدت في كندا، إلا أنها لم تنتج أي تفاهم اقتصادي بين قادة هذه الدول، وسط استمرار الخلافات في الرؤى والمفهوم العملي للمصالح الوطنية.
إن المرحلة الراهنة عصيبة للاقتصاد العالمي.

إنشرها