Author

مؤشرات تنبئك عن السوق العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

خضعت السوق العقارية لموجة ركود طويلة لعدة أعوام متتالية "2014 - 2018"، شهدت نوعا من الانتعاش خلال العام الجاري نتيجة ضخ سيولة كبيرة في جانب الائتمان العقاري وصلت إلى نحو 31.4 مليار ريال خلال النصف الأول من العام الذي أسهم بدوره في ارتفاع سيولة السوق العقارية خلال النصف الأول 2019 بنسبة 22.1 في المائة "86.6 مليار ريال"، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي "70.9 مليار ريال".
ووفقا للتحديثات المهمة جدا التي قامت بها وزارة العدل على بيانات السوق العقارية المحلية التي يحسب لها كثير الفضل - بعد الله - في مساهمتها المهمة جدا على مستوى رفع وتحسين معلومات السوق، فقد أظهرت تباطؤ حدة تراجع أسعار مختلف الأصول العقارية خلال 2018 إلى نحو النصف، فقد وصل الانخفاض في متوسط أسعار الأراضي السكنية منذ مطلع العام الجاري حتى 22 آب (أغسطس) إلى 5.2 في المائة، مقارنة بنسبة انخفاض خلال العام الماضي بلغت 11.1 في المائة، وانخفض متوسط أسعار الفلل للفترة نفسها بنسبة 6.8 في المائة، مقارنة بنسبة انخفاض خلال العام الماضي بلغت 11.4 في المائة، وأظهرت المؤشرات نفسها أن الانخفاض في مختلف أسعار الأصول العقارية للمدن الرئيسة جاء أدنى من المتوسط العام نتيجة للطلب المرتفع من شريحة السكان الأكبر فيها، مقابل تسجيل المدن الأخرى نسب انخفاض أكبر من المتوسط.
لقد أسهم ضخ التمويل العقاري بمعدلاته القياسية خلال العام الجاري في تهدئة معدلات انخفاض الأسعار المتضخمة، بل وجد بعض الارتفاع في بعض المدن والمناطق الأعلى سكانا، ويتوقع أن تهدأ وتيرة تأثيره خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل القريب، نتيجة عديد من العوامل المرتبطة بزيادة شواغر المساكن واستمرار خروج العمالة الوافدة وأسرهم، إضافة إلى انخفاض أعداد الباحثين عن تملك مساكن نتيجة تملك الآلاف منهم خلال الفترة الماضية من العام الجاري وقد انعكست كل تلك المتغيرات على الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن حتى منتصف العام الجاري، بانخفاضه سنويا بنسبة 8.9 في المائة حيث تعد أكبر نسبة انخفاض له منذ 31 عاما مضى "1988".
لقد جاء الانخفاض القياسي للإيجارات السكنية انعكاسا لزيادة شواغر الوحدات السكنية إما لزيادة ضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، أو نتيجة خروج أكثر من ثلاثة ملايين نسمة من الوافدين كعمالة وأسر ومخالفين لنظام الإقامة والعمل خلال العامين الماضيين، إضافة إلى انتقال عشرات الآلاف من الأسر السعودية لمساكنهم الجديدة المملوكة وتحولهم من مستأجرين إلى متملكين لمساكنهم، وهي العوامل الرئيسة المتوقع استمرار تأثيرها بواقع أقوى خلال الفترة الراهنة والمستقبلية.
سينعكس استمرار انخفاض تكلفة الإيجارات الراهن بمزيد من الضغط على الأسعار السوقية المتضخمة للعقارات بشكل عام التي تعد تطورات إيجابية يؤمل تحققها واتساع دائرتها، بما يخدم تطلعات الاقتصاد الوطني نحو مزيد من النمو المستدام وفي الوقت ذاته على أفراد المجتمع والأسر عبر انخفاض تكاليف إيجارات وتملك المساكن.
وكان من أبرز انعكاسات انخفاض تكلفة الإيجارات التي تمثل في المقابل العائد الإيجاري للعقارات المدرة للدخل، ما أظهره أداء صناديق الريت العقارية التي سجلت انخفاضا ملموسا في معدلات أرباحها خلال النصف الأول من العام الجاري، فلم يتجاوز متوسط عوائدها سقف 2.3 في المائة عن فترة الأشهر الستة الأولى من 2019 "متوسط 4.6 في المائة كعائد سنوي"، وهو المعدل الأدنى بكثير عن معدلات الربحية التي كانت تستهدفها قبل عامين من تاريخه "متوسط 8 في المائة كعائد سنوي"، بل إن بعض تلك الصناديق قد سجل خسائر كبيرة جدا خلال فترة نصف العام وصلت إلى 9.4 في المائة.
تأتي أهمية الحديث مجددا عن تطورات السوق العقارية المحلية خلال الفترة الراهنة نظير ما شهدته السوق وتشهده من تسارع التطورات والمتغيرات، ولا يصعد إلى سطح التأثير في أفراد المجتمع في الأغلب إلا ما "يبشر" بعودة الأسعار إلى الارتفاع، وأنها ستتجه إلى مزيد من الارتفاع، وبالطبع يقف خلف هذه المؤثرات القوية التي تفتقد ما يثبتها عديد من المستفيدين في سوق العقار "ملاك أراض وعقارات، سماسرة.. إلخ"، ولا يوجد في أيادي الناشطين خلف تلك الحملات الدعائية والترويجية إلا "التمويل العقاري"، عدا ذلك لا توجد أي قوة دافعة لارتفاع الأسعار، ويحق لقائل ما: إن هذا كاف جدا لعودة ارتفاع الأسعار كالسابق وأعلى من ذلك، لكنه يتجاهل عمدا أو جهلا منه أن التمويل العقاري مرتبط بالملاءة المالية للأفراد الباحثين عن تملك مساكنهم، ويرتبط أيضا بمتطلبات وضوابط ائتمانية تخضع لها المصارف ومؤسسات التمويل، وما شهدته السوق العقارية خلال الأشهر الثمانية الماضية من وتيرة متصاعدة وقياسية جدا لضخ التمويل العقاري، سيتباطأ بالوتيرة نفسها خلال الفترة الراهنة، وبصورة أكبر في المستقبل القريب، لأن أعداد الأفراد ذوي الملاءة المالية أصبحت أقل من السابق، ولزيادة تحوط المصارف ومؤسسات التمويل نتيجة لتراجع مؤشرات أداء الاقتصاد العالمي، وارتفاع مستويات المخاطر في الأسواق العالمية، عدا ما تشهده أرجاء العالم من تحذيرات شديدة حول احتمال دخول الاقتصاد العالمي موجة ركود خلال 2020.
إنما الأهم من كل ذلك التذكير بالعوامل المحلية "المذكور أهمها أعلاه"، وهي الأكثر تأثيرا في أداء السوق العقارية بشكل عام، والأسعار السوقية المتضخمة لمختلف الأصول العقارية على وجه الخصوص التي ستعود إلى مزيد من الخضوع لتلك العوامل بعد الزوال التدريجي لأثر التمويل العقاري المرتفع خلال الفترة الراهنة.
الأهم هنا: أن يكون الأفراد الباحثون عن تملك مساكنهم على وعي كاف تجاه الحملات الدعائية العقارية القوية خلال الفترة الراهنة، وأن يتخذ قرار شرائه من عدمه لمسكنه بناء على دخله وقدرته، لا بناء على مجرد دعايات "دون تعميم"، تستهدف اجتذابه لأجل تخارج البائعين، وإن كان ذلك على حساب استقراره المادي والاجتماعي، وأن يتأكد أن الأمور في منظورها العام تسير في اتجاه مصلحته، وإن شهدت خلال الفترة القصيرة الماضية انتعاشا تم تأكيد سببه الوحيد "التمويل العقاري" الذي بدأ يشهد انحسارا سيتسع نطاقه شهرا بعد شهر من الآن ومستقبلا، لتعود السوق العقارية للخضوع مجددا لما سبقت الإشارة إليه من عوامل محلية، وسيضاف إليها التطورات العكسية التي يشهدها الاقتصاد العالمي وأسواقه الدولية. والله ولي التوفيق.

إنشرها