أخبار اقتصادية- عالمية

محللون: المصارف الأوروبية هشة وتعاني اختلالات.. انهيارها وارد

محللون: المصارف الأوروبية هشة وتعاني اختلالات.. انهيارها وارد

قبل عدة أشهر أعلن مصرف "دويتشه بنك" الألماني عن خطة واسعة النطاق لإعادة الهيكلة، تضمنت حينها تسريح أعداد كبيرة من الموظفين لديه لضغط النفقات.
وقرر عدد آخر من البنوك الأوروبية خاصة في إيطاليا، أن يحذو حذو البنك الألماني، وبنهاية هذا العام سيقوم بنك "يوني كريديت" الإيطالي بإنهاء خدمات تسعة آلاف موظف، ضمن خطة لطرد 10 في المائة من القوة العاملة لديه.
تعد عمليات إنهاء خدمات الموظفين وتسريحهم الملحوظة بشكل كبير لدى البنوك الأوروبية الكبرى مؤشرا واضحا على أن صناعة المصرفية الأوروبية لم تنتعش تماما منذ الأزمة المالية التي ضربتها في نهاية عام 2008.
ويعتقد البروفيسور جيمس بريتون الرئيس السابق للجنة المالية التابعة لبنك إنجلترا "المركزي البريطاني" أن البنوك الأوروبية بعكس نظيرتها الأمريكية تعاني اختلالات حقيقية تعوقها عن النهوض وتضعها في موقف مالي صعب.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "الولايات المتحدة تبنت في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 سياسات نقدية ومالية كمية ضخمة لمساعدة القطاع المصرفي على النهوض من كبوته، وبفضل مجموعة ضخمة من التشريعات تعززت الرقابة على الصناعة المصرفية، في الوقت ذاته ساعدت الحكومة البنوك خلال الأزمة، بضخ كميات ضخمة من رأس المال وبقوة في النظام المصرفي، ولهذا نجحت في تقليص فترة أزمة النظام البنكي الأمريكي، وبالتالي فإن ربحية الصناعة المصرفية الأمريكية تعافت خلال فترة زمنية مقبولة زمنيا".
وبالنسبة إلى أوروبا، فإن الأمر مختلف من وجهة نظر البروفيسور بريتون، ويستدرك قائلا "في أوروبا كان هناك نقص في السياسة المالية الموحدة، ولم يتم إطلاق الآلية التنظيمية الموحدة للقطاع المصرفي الأوروبي في منطقة اليورو إلا في نوفمبر عام 2014، ولم ينل تراجع المنظومة البنكية الأوروبية الدعم والمساعدة الضرورية من السياسيين، ومن ثم تباطأت عملية تخفيض المديونية، وأثر ذلك في ربحية البنوك الأوروبية بوضوح".
وعلى الرغم من إقرار وجهة النظر القائلة إن البنوك الأوروبية لم تنتعش بشكل كامل، وإنها لا تزال تعاني تداعيات الشق المالي لأزمة عام 2008، إلا أن كثيرا من المختصين قد يتفقون مع النتيجة التي توصلت إليها ويختلفون معها في الأسباب.
تعتقد الدكتورة ماجي ريتشارد أستاذة النظم البنكية في جامعة لندن، أن وجهة نظر البروفيسور جيمس بريتون تحاول التخفيف من حجم مشكلة البنوك الأوروبية، وتحصرها في تراجع الربحية فحسب، لكن المشكلة أعمق من ذلك، مشيرة إلى أن النظام المصرفي الأوروبي في وضعية سيئة، تجعل فكرة انهياره واردة في الواقع العملي.
الدكتورة ماجي، بخلاف البروفيسور بريتون، تربط بين الأداء المصرفي الأوروبي السيئ والتعافي الضعيف والمشكوك فيه للاقتصاد الأوروبي، وطبيعة اللوائح المصرفية المنظمة للقطاع.
وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "بيانات البنك الدولي تكشف أنه خلال الفترة من عام 2010 إلى 2017، ارتفع إجمالي الناتج المحلي العالمي من 65.96 تريليون دولار إلى 80.73 تريليون دولار. ويمثل ذلك زيادة تقدر بنحو 22.39 في المائة، "لكن إذا نظرنا إلى تفاصيل تلك الزيادة، فسنجد أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة زاد من 14.96 تريليون دولار إلى 19.39 تريليون دولار، بنمو قدره 29.61 في المائة. وبالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي فقد ارتفع من 16.98 تريليون دولار إلى 17.28 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها، بزيادة قدرها 1.76 في المائة فقط، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي، ومن الزيادة التي حققتها الولايات المتحدة".
وتعتقد الدكتورة ماجي أن المنظومة البنكية الأوروبية ضعيفة وهشة، لأن الاقتصاد الأوروبي في وضع صعب ويعاني كثيرا المشكلات، وينعكس ذلك على النظام المصرفي، عادّة إصلاح النظام المصرفي والإسراع بالخلاص من العوامل التي تدفعه إلى الانهيار، يتطلب نظرة أكثر شمولية لمشكلات القطاع وتركيبته الراهنة أكثر من حصرها في مشكلة الربحية وتراجعها.
وبالفعل، فإن تحليل هيكل النظام المصرفي الأوروبي، يكشف عن أن جوانب الخلل تعود إلى أن البنوك الأوروبية الصغيرة والمتوسطة ليست معولمة للغاية، وأن أعماله تقع داخل المنظومة الأوروبية في الأساس، ولا تمتد إلى باقي أنحاء الكرة الأرضية بقوة، كما أن عددا قليلا فقط من البنوك الأوروبية الكبرى مثل "إتش إس بي سي" و"دويتشه بنك" له فروع في جميع أنحاء العالم، ويقدم خدمات ذات طابع دولي للعملاء.
وفي ظل الضغوط والتحديات الضخمة التي تواجه الاقتصاد العالمي، فإن أرباح البنوك الأوروبية ذات الطابع العالمي تتأثر بقوة، أما البنوك الصغيرة والمتوسطة، فإن هناك كثيرا من الشكوك حول مستقبلها، إذا ما تفاقمت الأزمة الاقتصادية العالمية، وامتدت إلى الاقتصاد الأوروبي.
ويكشف هذا الخلل الهيكلي في المنظومة البنكية الأوروبية، عن مشكلتين رئيستين لم تفلح أوروبا في الوصول إلى حل نهائي لهما منذ الأزمة المالية لعام 2008.
وهما، أولا: عجز الاقتصاد الأوروبي عن تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الأعوام العشرة الماضية، والطابع المحلي للبنوك الأوروبية الذي دفع برؤساء مجالس إدارات تلك البنوك إلى تبني أعمالا استثمارية ذات مخاطر عالية لرفع معدلات الربحية.
يقول لـ"الاقتصادية"، واتسون بويد المختص المصرفي، "إن المغامرات الناجمة عن حاجة رؤساء مجالس إدارة البنوك الأوروبية إلى تحقيق أرباح مرتفعة لنيل رضا المستثمرين وحملة الأسهم، قد تؤدي إلى انهيار تام في النظام المصرفي، وعلى الرغم من قرارات البنك المركزي الأوروبي، بزيادة متطلبات رأس المال المصرفي، واتخاذ إجراءات لكبح جماح المضاربة المفرطة التي قد تقوم بها المصارف، فإن نسبة كبيرة من البنوك الأوروبية بما فيها البنوك ذات الطابع العالمي، لا تزال تخاطر في استثمارات ذات مخاطر عالية للحفاظ على معدلات ربحية مرتفعة".
أما المشكلة الثانية، فترتبط أكثر بالطبيعة التنظيمية للاتحاد الأوروبي ذاته، ويوضح لـ"الاقتصادية"، نيل بارتيل الباحث الاقتصادي، أنه "أُنشئ ما يمكن وصفه بتحالف للصناعة المصرفية الأوروبية لتشكيل آلية تنظيمية موحدة، وآلية للمقاصة، ونظم مشتركة لتأمين الودائع، ومع ذلك فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها اختلافات كبيرة في اللوائح المصرفية".
وتبدو أهمية هذا الجانب في أن تعليمات البنك المركزي الأوروبي للبنوك التجارية بتصفية الأصول المحفوفة بالمخاطر أو ما بات يعرف بالديون المعدومة، قد أدت بالفعل إلى تحقيق استقرار نسبي في الصناعة المصرفية الأوروبية، لكن الاستقرار قابله من الجانب الآخر انخفاض في الربحية، ما دفع إلى مزيد من المخاطر الاستثمارية، لتدخل البنوك الأوروبية دائرة مفرغة تهددها بوضع سيئ في ظل التحديات الاقتصادية الدولية المتنامية.
وزادت خلال الآونة الأخيرة تصريحات بابلو هيرنانديز دي كوس، محافظ البنك المركزي الإسباني، التي تشير إلى أن النظام المالي الأوروبي لا يزال هشا ومجزأ، بسبب العلاقة المضطربة بين فكرة السيادة الوطنية والنظام المصرفي، وعَدِّه المحافظ الاستثمارية للبنوك الأوروبية ليست متنوعة بشكل جيد، والاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الأدوات المالية اللازمة للحماية من الصدمات، زادت من القلق بشأن مصير البنوك التجارية الأوروبية.
خطورة تلك التصريحات أنها تمهد الأرضية لأن المشكلات البنكية الأوروبية ستتفاقم في المرحلة المقبلة، وأن الصناعة المصرفية الأوروبية تتحرك في اتجاه أزمة قد يعقبها انهيار.
ويقول لـ"الاقتصادية"، جيف شيلدون المختص الاستثماري، "إن أسعار الفائدة السلبية طويلة الأجل ضربت ربحية البنوك الأوروبية في مقتل، وانخفاض أسعار الفائدة أكثر نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، سيكون كارثيا على النظام المصرفي الأوروبي. فاقتصاد الاتحاد الأوروبي يرثى له، ويفتقد قوة دفع حقيقية للنمو، وما عملية التسريح المتكرر للموظفين في البنوك الأوروبية، إلا مقدمة لأزمة مصرفية أوروبية بامتياز، ونحن نتجه حاليا إلى صورة أكثر تشوها مما حدث عام 2008، حيث سيتعين على دافعي الضرائب الأوروبيين إعادة المشهد، وإنقاذ القطاع المصرفي الذي يزداد فشله يوما بعد آخر".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية