FINANCIAL TIMES

المدن الذكية تظل بحاجة إلى لمسة إنسانية

المدن الذكية تظل بحاجة إلى لمسة إنسانية

هذه قصة مدينتين - تورونتو وبرشلونة - قد تحمل دروسا مهمة للآخرين في جميع أنحاء العالم. لديهما طموحات كبيرة لتغيير الطريقة التي تعملان بها، لكنهما تعكسان رؤى مختلفة تماما عن الكيفية التي ينبغي من خلالها إدارة المدن الذكية.
في تورنتو أبدى المواطنون ردود أفعالهم بشكل مبدئي على خطة الابتكار والتطوير الرئيسية التابعة لـ"سايد ووك لابز" Sidewalk Labs لتطوير منطقة الواجهة البحرية على مساحة 12 فدانا، المعروفة باسم "كواي سايد" Quayside. يعد هذا الفرع من "جوجل" باستخدام تصميم مبتكر وأحدث التكنولوجيا الرقمية لابتكار نوع جديد تماما من المجتمع الحضري يأمل في تكراره في أي مكان آخر.
"جوجل" المولودة في عالم البايت والبيانات بدأت تهتم بشكل متزايد بعالم الذرات. أعلنت أخيرا عن مساهمة منفصلة بقيمة مليار دولار للمساعدة على تطوير 20 ألف منزل جديد في وادي السيليكون خلال الأعوام العشرة المقبلة.
يقول دان دكتوروف، نائب عمدة نيويورك السابق الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة سايد ووك لابز: "مهمتنا هي تقديم تحسينات كبيرة في الحياة الحضرية". في تورونتو يكمن التركيز على توفير فرص عمل وبناء منازل أرخص واستخدام التكنولوجيا لتطوير أول مجتمع حضري "ذي تأثير إيجابي في المناخ" في أمريكا الشمالية.
الاستعمال الشامل للأجهزة والمستشعرات المتصلة وإدخال شبكات الجيل الخامس G5 فائقة السرعة، ما يتيح إنشاء "توائم رقمية" للبنية التحتية في العالم الحقيقي، أسهم في تنشيط شركات التكنولوجيا والمخططين الحضريين. إنهم يعتقدون أن في الإمكان استخدام تدفقات البيانات في الوقت الفعلي لتحسين الأنظمة "العصبية المركزية" للمدن، ما يعد بتحسينات كبيرة في النقل والخدمات والبيئة واستخدام الأراضي. يمكن بناء المدن الذكية حسب قولهم من خلال الاتصال بالإنترنت.
تعد "سايد ووك" ببعض الابتكارات الإبداعية، مثل أنظمة التوصيل التي تسير تحت الأرض والاستخدام الكبير للألواح الخشبية في البناء، التي حظيت بدعم السياسيين المحليين البارزين وقادة الأعمال. لكن خططها أثارت رد فعل عنيف من بعض الأكاديميين والناشطين، الذين يخشون من أن "جوجل" قد تنتهك حقوق بيانات المواطنين وتدمر الديمقراطية. ويجادلون بأن الشركة الخاصة غير المنتخبة يجب ألا تستولي على الوظائف التقليدية للحكومة البلدية.
كتبت إيلين جودمان وجوليا باولز، وهما أستاذتان في كلية روتجرز للحقوق وكلية الحقوق التابعة لجامعة أستراليا الغربية، على التوالي: "ما قدمته لنا سايد ووك هو رؤية ليدها العليا فيما يخص التحكم في النظام الأساسي، وحوكمة البيانات، والملكية الفكرية، والمشتريات والوصول، في منعطف بديل واضح ومشروع: المدينة ذاتها".
تتبع حكومة مدينة برشلونة نهجا مختلفا يهدف بصورة واضحة إلى إثبات "السيادة الرقمية" لمواطنيها من خلال التأكيد على المشاركة المدنية والتأثير الاجتماعي والعائد العام.
تقول فرانشيسكا بريا، مديرة التكنولوجيا والابتكار الرقمي في برشلونة، إن مدينتها قلبت الأنموذج الذي استخدمته "سايد ووك تورنتو". بدلا من تصميم البنية التحتية التكنولوجية في البداية ومن ثم معرفة أفضل السبل لاستخدامها، تطبق برشلونة التكنولوجيا الموجودة لحل المشكلات اليومية مثل التلوث والإسكان الميسر والنقل.
يعد استخدام "ديسيدم" Decidim، منصة إلكترونية تمكن المواطنين من المشاركة في صنع القرار، أمرا جوهريا بالنسبة لرؤية برشلونة. يستخدم نحو 40 ألف شخص هذا "البديل المدني لفيسبوك"، ما يسمح لهم باستحداث السياسات وصياغتها. تقول بريا: "نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد للعصر الرقمي".
باعتبارهم جزءا من هذه الصفقة، يجب أن تكون بيانات المدينة تخص المواطنين أنفسهم. من خلال فتح مجموعات البيانات بطريقة آمنة، تهدف برشلونة إلى تحفيز الشركات المحلية والمبادرات المدنية. تقول بريا: "نعد البيانات أداة مثل الماء أو الكهرباء أو الطرق".
ستفيد كيفية عمل تجارب تورنتو وبرشلونة على مدار الأعوام القليلة المقبلة صناع السياسة حول العالم مع ظهور التمدن السريع باعتباره أحد أكبر التحديات السياسية في عصرنا. لقد زاد عدد الأشخاص الذين يعيشون في المدن بصورة هائلة خلال العقود القليلة الماضية؛ من 751 مليون شخص في عام 1950 إلى 4.2 مليار شخص اليوم. تتوقع الأمم المتحدة أن يصل العدد إلى 6.7 مليار بحلول عام 2050.
لا يوجد شك في أن أحدث التكنولوجيات يمكن أن تقدم تحسينات هائلة في طريقة إدارة المدن. بالنسبة لتورنتو وبرشلونة، هناك فرق كبير كذلك بين الاختراع وإعادة الاختراع، وبين بناء شيء جديد وإعادة تشييد المؤسسات الحالية.
لكن كما أقر دكتوروف، دائما ستكون المدن عبارة عن كائنات بشرية تصعب إدارتها للغاية، ويشبه التحدي بمحاولة حل "مكعب الروبيك ذي الـ50 جانبا".
بغض النظر عن مدى جودة التكنولوجيا، المدن الذكية لن تكون أبدا ذكية كالأشخاص الذين يصممونها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES