FINANCIAL TIMES

قصة رجل ويتشيتا .. كيف هزم كوك «ستاندارد آند بورز»؟

 قصة رجل ويتشيتا .. كيف هزم كوك «ستاندارد آند بورز»؟

 قصة رجل ويتشيتا .. كيف هزم كوك «ستاندارد آند بورز»؟

 قصة رجل ويتشيتا .. كيف هزم كوك «ستاندارد آند بورز»؟

مسترشدا بالأساسيات بدلا من الموضة الرائجة، يجلس رجل أعمال مستقل ذاتيا، في زاوية غير عصرية في وسط الولايات المتحدة، أصبح اليوم واحدا من أغنى الأشخاص في العالم، من خلال التمسك بالأعمال غير الممتعة، التي توفر أساسيات الحياة اليومية، وإلقاء نظرة ثاقبة على أسواق يتم تداولها فيها.
بعد تجاوز عامه الـ80، يواجه اهتماما لا مفر منه بالخلافة، لكن سجله يبدو آمنا كما كان دائما.
التصنيف الائتماني لشركته موضع حسد معظم الحكومات، والسؤال الأكبر الذي تواجهه هو أين ستوظف تدفقاتها النقدية المذهلة تاليا؟
نحن بصدد قصة ملياردير من الغرب الأوسط، وليس المعني وارن بافيت من أوماها، في نبراسكا، بل هو تشارلز كوك من ويتشيتا، في كنساس.

ثاني أكبر شركة خاصة في أمريكا
شركته، أي شركة كوك للصناعات، تحتل مرتبة بعد شركة كارجيل تماما على رأس قائمة أكبر الشركات الخاصة في أمريكا من حيث الإيرادات.
مع ذلك، وفي حين أن بافيت بنى سمعته الإعلامية باعتباره المعلم الأكثر ودية للرأسمالية، إلا أن كوك وشقيقه ديفيد لطالما تجنبا الاهتمام كثيرا.
تغير كل هذا في العقد الماضي عندما أصبح الشقيقان رمزا للتأثير الغامض الذي يمكن أن تمارسه الشركات على الحكومة.
ترويجهما ذو التمويل الجيد للعلامة التجارية للسوق الحرة المنعشة ذات النقاء المحافظ، أعاد تشكيل الحزب الجمهوري على صورتيهما، ومنحهما نفوذا فريدا في واشنطن – على الأقل حتى وصول وريث عائلي آخر ذي ثقة قوية بالنفس: أي الرئيس دونالد ترمب.
شبكتهما من لجان العمل السياسي والمؤسسات الفكرية ومعاهد الأبحاث ذات الموارد الجيدة، نجحت في تقويض أجندة باراك أوباما في مجال الرعاية الصحية والتنظيم، حتى عندما تضاعفت ثروة الأخوين كوك خلال فترتي ولايته، من عام 2009 حتى عام 2017. هذا جعلهما مرادفا للشر بالنسبة لكثير من الديمقراطيين، ما دفع زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ هاري ريد، إلى وصفهما بأنهما "صاحبا مليارات أسكرتهما السلطة".
في حين أن بافيت لا يزال يقود سيارته بنفسه إلى العمل، إلا أن تشارلز تخلى عن سيارته الصالون من أجل مرافقين أمنيين: بطل الحرية يعمل الآن خلف جدار عال أقامه حول مقره.
خلال الأعوام الـ52 منذ وفاة والدهما، حول تشارلز وديفيد أعمال التكرير والأنابيب وتربية المواشي التي يعمل فيها 300 شخص، التي ورثاها، إلى ثروة مجتمعة تبلغ قيمتها أكثر من بافيت، أو أي شخص آخر على قيد الحياة، باستثناء جيف بيزوس من شركة أمازون.

كتب سابقة عن العائلة
كيف حدث هذا هو اللغز الذي كشف عنه الصحافي كريستوفر ليونارد بدقة في كتاب كوكلاند؟
هنا كتب سابقة عنهما، تشمل "المال الأسود" من تأليف جين ماير: "صبيان من ويتشيتا"، من تأليف دانييل شولمان – ذكرت فيه تفاصيل آلة النفوذ السياسي لتشارلز وديفيد التي لا مثيل لها، ومعركتهما مع أخوين استحوذا على حصتهما في الشركة.
يتميز تحقيق ليونارد بتحليله لأخلاقيات شائعة في الشركة يدعوها: "الشركة المثالية للسوق الحرة الخاضعة لسيطرة تشارلز كوك في القطاع الخاص".
أفضل من أي رواية سابقة، يظهر أيضا كيف تربط وجهة نظر كوك العالمية بسلاسة بين شركته والأنشطة السياسية.
تم تشكيل تلك النظرة من قبل والده، مؤسس جمعية جون بيرش اليمينية، وازدرائه لتدخل الدولة – من "الصفقة الجديدة" للرئيس فرانكلين روزفلت، إلى قانون الهواء النظيف الذي وقعه ريتشارد نيكسون في وقت مبكر من حياة كوك المهنية، في إدارة عمليات الطاقة الخاضعة للتنظيم.
كما يختار ليونارد أيضا ثلاث سمات مميزة فعلت كثيرا لبناء ثروة كوك وتوجيه إنفاقه السياسي: قدرة على التفكير في عقود من الزمن بدلا من الأرباع؛ وبراعة في تحويل التعقيد الذي يهرب منه الآخرون لصالحه؛ وموهبة هادئة لرؤية الفرص في فترات التقلب الشديد.
كتاب كوكلاند أولا وقبل كل شيء، هو صورة لكيفية تشكيل هواجس تشارلز الشخصية أعمال العائلة.
شقيقه الأكبر، فريد الابن، بالكاد يذكر. ديفيد، الذي يملك من الشركة بقدر تشارلز، تقاعد العام الماضي لأسباب صحية، وهو شخصية ثانوية، تم إبرازها في الغالب بسبب حياته السياسية التحررية.
بيل، الذي عندما كان طفلا طعن شقيقه التوأم ديفيد بسيف، يلعب دورا أكثر حيوية، من خلال ملاحقة شقيقيه اللذين كان يعمل تحت إشرافهما، عبر مجلس الإدارة ووسائل الإعلام والمحاكم، وفي وقت لاحق زعم أنهما خدعاه للاستحواذ على حصته. تلك القصص رويت في كتب أخرى.

تكتل بقيمة 110 مليارات دولار
يوضح ليونارد أن ما يعمل على تماسك هذا التكتل الذي تبلغ إيراداته 110 مليارات دولار، الذي يشتمل على تداول المشتقات، والأنابيب، وأعمال ديكسي كابس وبراوني للمناديل الورقية هو تشارلز، "المقاتل" الذي يحب السرية، ويحكم شركته بسلطة كاملة.
أداته للقيام بذلك هي عقيدة ابتكرها بنفسه تسمى الإدارة القائمة على السوق، التي يحفرها في نفس كل موظف جديد في الدورات التدريبية، ويشبهها ليونارد بمراسم التجنيد لمجتمع سري.
هذه العقيدة هي فلسفة للتحسين المستمر واستقلالية الموظفين، مستمدة من التزام كوك الديني بنظريات لودفيج فون ميزيس وفريدريش هايك، خبيري الاقتصاد النمساويين اللذين يدعوان إلى فضائل السوق غير المقيدة، والمبدأ القائل إن الوضع الراهن لا يدوم أبدا. يظهر ليونارد كيف اختصر كوك تفكيرهما إلى نهج نحو الأعمال، فهو محافظ بشكل عقائدي وبارع بما فيه الكفاية لمواصلة البحث عن أسواق جديدة، وصفقات جديدة ورؤى جديدة تتحدى الإجماع.
عملة كوك، في واشنطن كما في ويتشيتا، هي المعلومات.
قبل أعوام من عصر "البيانات الكبيرة"، كان كوك يستثمر في أجهزة الكمبيوتر المبكرة، للتأكد من أن شركته يمكنها استيعاب تفاصيل كل واحدة من أسواقها أكثر من أي شركة منافسة.
ميزة المعلومات هذه مكنت الشركة من دمج شركات متقاربة بشكل مرن، من تغذية الماشية إلى مشتقات الطاقة.
هل عقيدة الإدارة القائمة على السوق ناجحة؟ كتاب ليونارد المدروس لا يوفر رأيا بسيطا، لكنه يوضح أن تركيزه الشديد على زيادة الأرباح، قد أسهم في بعض من أحلك اللحظات شركة كوك للصناعات.

النزاهة .. المبدأ الأول
النزاهة هي "المبدأ التوجيهي" الأول لعقيدة الإدارة القائمة على السوق. يقدم ليونارد حجة مقنعة أن الضغط الذي تمارسه الشركة على الموظفين، يساعد على توضيح خلو سجل الشركة من الغرامات التنظيمية، والاتهامات الجنائية والحوادث الصناعية المميتة في بعض الأحيان.
في إحدى مصافي التكرير المربحة بالقرب من مينيابوليس، على سبيل المثال، يلاحظ أن المهندسين لم يكونوا مركزا للربح، لذلك غالبا ما كان يتم تجاهل طلباتهم المتعلقة بالإنفاق على الصيانة.
توقف الآلات للإصلاح من شأنه تعطيل الإنتاج، لذلك لم يترك المديرون هوامش تذكر للأخطاء المدمرة بيئيا. بعد أن تسببت واحدة من مثل هذه الانقطاعات في إطلاق المياه العادمة الملوثة بالأمونيا، انتهى الأمر بشركة كوك للصناعات إلى الاعتراف بالذنب في عام 1999، جراء ارتكاب انتهاكات جنائية بحق قوانين البيئة.
يضيف ليونارد أن الانتهاكات المكلفة في أماكن أخرى، ضمن الأعمال الخاضعة للتنظيم في الشركة، "تم الحض عليها بسبب ازدراء عام للحكومة".
تدعو شركة كوك للصناعات الآن إلى "امتثال بنسبة 10 آلاف في المائة"، من خلال حث الموظفين على الالتزام بنسبة 100 في المائة من التنظيمات، وبنسبة 100 في المائة طوال الوقت. يساعد ذلك بالطبع، إذا كان لها يد على تخفيف تلك القواعد.
يكتب ليونارد: "دراسة كوك للصناعات دراسة موجزة لهيكل الاقتصاد الأمريكي الحديث".
ذلك الاقتصاد لا ينحرف إلى تفضيل الشركات الكبيرة ذات العلاقات فحسب، كما يقول؛ بل يعمل الآن أيضا وبشكل أفضل من تلك الشركات، التي يمكنها استغلال التعقيد في السياسة كما في الأسواق.
هذا ما جعل مهمة كوك فهم القوانين والتنظيمات الضريبية التي يبغضها عن كثب، أكثر من أي شخص آخر.
استراتيجيته الكاسحة لجعل الأمريكيين الآخرين يرون الحكومات والأسواق كما يفعل، تقدم المثال الأكثر وضوحا لقدرته على لعب اللعبة طويلة الأجل.
لقد بدأت في عام 1974، كما يوضح ليونارد، بعد أن أنشأ نيكسون وكالة حماية البيئة ووضع حدا للأسعار في صناعة النفط.
كوك، العازم على إصلاح الحزب الجمهوري الذي يعده مفلسا فكريا، يضع نهجا متعدد الجوانب يشمل التعليم، ووصول وسائل الإعلام، والتقاضي وممارسة الضغط.
على أنه بالكاد يحتاج إلى تغييره منذ ذلك الحين، إلا في الحجم.
ربما يكون كوك قد أدرك في وقت أبكر من معظم الناس إلى أي مدى أصبح النظام السياسي الأمريكي معطوبا، لكن غريزته هي أن يضمن بقاءه كذلك، طالما ظلت تعقيداته تعمل لصالحه.

العلاقة مع الرئيس ترمب
على الرغم من كل نفاذ بصيرته، إلا أنه لم ير ترمب قادما، ولم يستطع إجبار نفسه على دعم الشعبوي "الذي ينادي بتنظيف المستنقع من الأوساخ" في انتخابات عام 2016.
نتيجة لذلك، بدأ ترمب رئاسته وهو لا يدين بشيء لكوك، الذي نجحت مجموعة الدعوة السياسية "الأمريكيون من أجل الرخاء" في الضغط ضد خططه لإلغاء برنامج أوباماكير وفرض ضريبة تعديل الحدود، لتمويل التخفيضات الضريبية للشركات.
احتفل كوك بهجمات الإدارة الجديدة على التنظيمات البيئية، في المقابل يرى أنه لا يمكن أن يكون هناك توبيخ أوضح قليلا لمبادئ السوق الحرة من الحروب التجارية التي أثارها ترمب، التي يتجاوز عنها ليونارد بشكل غريب.
هل من المحكوم على قوة كوك في الشركات أن تتراجع في عهد ترمب؟ يستنتج ليونارد أن سجله في التكيف في الأوقات المتقلبة، سيشهد تفوق شبكته على هذه الإدارة، حتى.

كتاب كوكلاند
دفع كتاب كوكلاند إلى المطبعة قبل ظهور واحد من أكثر الأمثلة الرائعة على تلك القدرة على التكيف.
في حزيران (يونيو) الماضي، قالت مؤسسة كوك إنها ستمول مؤسسة فكرية جديدة لتنظيم الحملات ضد المغامرات العسكرية الأمريكية مع جورج سوروس، المكروه من اليمين مثلما أن كوك مكروه من اليسار.
متوسعا في تعليله، كتب كوك هذا الأسبوع: "لعدة أعوام، نحن ندعم الجهود في السياسة الحزبية بهدف تقدم الولايات المتحدة. لقد كانت النتائج أقل بكثير مما نعده مقبولا".
إذا كان هذا يمثل التغيير الحاد في مشاركة كوك السياسية التي يزعمها، فإن معتقداته الأساسية تبقى دون تغيير: في السياق نفسه، أعرب عن أسفه من أن كلا الحزبين يتشاركان "الافتراض المثير للقلق من أن جرة قلم من شخص سياسي يمكن أن تغير البلاد".
يبدو أن لديه ثقة أكبر بقلمه. يعمل كوك على كتاب، كما يقول ليونارد، سيحاول فيه أن يقيم الدليل على أن عقيدة الإدارة القائمة على السوق هي: "دليل ليس لتشغيل الشركات فحسب، بل أيضا لتشغيل مجتمعات بأكملها".
بعمر 83 عاما، كما يجعلنا ليونارد نعتقد، أن كوك أكثر ثقة من أي وقت مضى، بأننا في يوم ما سنعيش جميعا في كوكلاند.
إذا كان الأمر كذلك، فسيختبر كم عدد الأشخاص منا الذين يتشاركون قدرة ولي عهده على تحمل التقلبات.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES