default Author

الزجاج المغرد

|

لم يكن يخطر في بال بينجامين فرانكلين، أحد مؤسسي الولايات المتحدة ومن أبرز المخترعين في زمانه، أن الضرب على تلك الأكواب المليئة بالماء والتيال أوحت له باختراع آلته الموسيقية عندما شاهدها في إنجلترا كعادة للتسلية بعد مأدبة العشاء ستكون سببا في عذاب وتعاسة مجموعة من البشر!
فبدأ تجاربه باستخدام المبدأ، وأخيرا توصل إلى اختراع أداة أطلق عليها اسم "هارمونيكا" مكونة من 37 وعاء زجاجيا مختلف الأحجام اتصلت ببعضها بعضا على ما يشبه المغزل الحديدي بشكل أفقي وعمل لها نظام تشفير لوني لتحديد النوتات الموسيقية، ما جعل من الممكن عزف عشر نوتات عليها في الوقت نفسه!
نغماتها التي تصدر عنها وجمال صوتها وشكلها المميز، جعلت لها شعبية كبيرة وحرص كثيرون على اقتنائها، حتى إن الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت، تلقت دروسا للعزف عليها، لكن الوضع لم يستمر بهذه السلاسة والجمال وبدأت أعراض غريبة تظهر على عازفيها ومرتادي الحفلات التي تعزف فيها هذه الآلة الزجاجية المغردة، حيث تعبث بالمخ وتسبب هلوسات وأمور غريبة، مثل الطنين، والارتباك، والتوهان، حتى وصلت إلى حد الجنون الذي أخذ يضرب عقولهم.
بعد كل هذه الحوادث تم التحذير من هذه الآلة لما تسببه من شر وأذى للناس. وحذر فريدريك روتشليدز، العالم والباحث الألماني في الموسيقى، من العزف عليها، سواء كنت صحيح الجسم أو تعاني أي اضطرابات عصبية، على الرغم من أن الأميرة البولندية إيزابيلا زارتورسكيا، التي التقت عام 1772 بنيجامين واستمعت إلى الهارمونيكا، كتبت في رسالة لها قائلة: "لقد شفيت من السوداوية وشدة الغم، بعد الاستماع إليها". وهذا بالنسبة إلي يعني فعليا أنها تؤثر في خلايا الدماغ، سواء بالسلب أو الإيجاب، الذي لم يظهر إلا في هذه الحالة!
زادت التقارير عن حالة الهستيريا الجماعية التي تصيب الحاضرين والعازفين على حد سواء، ما أدى إلى إقصاء هذه الآلة من العزف الفردي وقصرها على دور الأوبرا، حتى اختفت تماما لعدم وجود من يعزف عليها، لكن ما هو السبب وراء كل ما حدث لمن استمع أو عزف عليها؟!
أظهر تحليل سريع للنوتات التي تنتجها هذه الآلة الموسيقية المثيرة "للجنون" أن نغماتها تقع بين ألف وأربعة آلاف هيرتز، ما يجعل من الصعب جدا على الأذن تحديد موقع الأصوات التي توجد في هذا التردد بالذات ويتسبب في إرباك السامع. لكن الصوت لم يكن السبب الوحيد، بل وجد أن السبب الأهم هو التسمم بالرصاص المستخدم في صناعة هذه الآلة.
والغريب أنها عادت إلى الظهور في عام 2013 في مشهد من أوبرا "كتب على البشرة"، ما تسبب في حالة من الجنون لدى مغنيها!

إنشرها