Author

طلب الشهرة وتجاوز المبادئ

|


نشهد في هذا العصر مرض "جنون الشهرة" من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لدى كثير من الناس من مختلف الفئات الاجتماعية. والشهرة ليست عيبا إذا كانت تستند إلى إضافات إيجابية للمجتمع عموما والثقافة والعلم خصوصا. لكن أصبح الوصول إلى الشهرة من خلال المشاركات السخيفة و"الاستهبال" أو الاستخفاف بالعقول أسهل بكثير من الإسهامات العلمية والأدبية والتأليف والنشر. والسؤال: هل هذه حمى عالمية أم خاصة بالعرب فقط؟ لا أعلم.
بناء على السعي إلى الشهرة والمشاركة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل "سناب" وغيره، يمكن تصنيف المشاركين إلى أربع فئات، هي:
1. كثيرون يشاركون من أجل متعة التواصل مع الأصدقاء والأقارب، وليس بالضرورة كسبا للشهرة.
2. آخرون يشاركون من أجل العطاء المغروس في نفوسهم، ومن ثم يسعون إلى الإسهام في تحقيق أهداف نبيلة كالتوعية الصحية والاجتماعية والاقتصادية ولا يسعون إلى الشهرة بدرجة مباشرة.
3. هناك من يشارك من أجل أهداف دينية طلبا للأجر والثواب بإخلاص لمعتقداتهم، في حين أن هناك من يتخذ الدين مطية للشهرة دون تطبيق لمبادئه في حياته الشخصية الخاصة، ما يندرج تحت ما يعرف بالنفاق.
4. الفئة الأخيرة فئة "جنون الشهرة" من الذين يسعون إلى الشهرة السريعة دون مراعاة في كثير من الأحيان المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية.
عموما، كثيرون تزعجهم حقيقة أن الفضاء الإلكتروني أصبح يعج بمختلف الفئات المتعلمة وغير المتعلمة التي لا تتورع عن الخوض في موضوعات بعيدة عن إمكاناتهم العلمية والثقافية غير آبهين بكونهم لا يمتلكون أدوات الغوص في غمار بعض الموضوعات، لكني أرى أن الفضاء الإلكتروني ينبغي أن يكون مفتوحا للجميع وأن صعود هؤلاء للشهرة يدل على ضحالة ثقافة المتلقين وضعف وعيهم بأمور الحياة، وإلا لما تسلق هؤلاء سلم الشهرة بسرعة، على أي حال، هناك تجاوزات مزعجة لكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها:
- أخطر التجاوزات تتمثل في انتهاك حقوق الطفل مثل تعريض صحة الأطفال الصغار للخطر من خلال تصويرهم وهم يدخنون السجائر أو فوق ظهور الحيوانات الكبيرة كالجمال وغيرها، أو استنطاقهم للتلفظ بعبارات وكلمات غير لائقة دون مراعاة لانعكاس ذلك على مستقبل الطفل.
- تسويق منتجات مغشوشة وسلع مقلدة أو تسويق عقارات وهمية يعلم المعلن عدم جدية أصحابها.
- تصوير المرضى في أسوأ حالاتهم للتبجح بزيارة المرضى والاهتمام بالأقارب، والسؤال: هل هذا التصوير حرص على المرضى أم رغبة في كسب الشهرة؟ وهل من يقوم بتصوير تقبيله قدمي والديه من أجل الشهرة أم كسبا للأجر وتشجيع بر الوالدين؟ لا أعلم ما في القلوب لذلك سأحسن النية، خاصة بالنسبة للأفعال التي تمس بر الوالدين، لما لهذا الموضوع من أهمية وجدانية للجميع وبالنسبة لي على وجه الخصوص.
- ادعاء التوصل إلى اكتشاف علاج لبعض الأمراض المستعصية أو نشر أخبار عن أدوية شعبية لم تثبت صحتها، ربما بحسن نية، وذلك لسذاجة مفرطة، لأن الشفاء من المرض جاء بمحض المصادفة وليس بسبب العقار نفسه.
- قيام البعض دون علم ومعرفة بإجراء تجارب على الأغذية والمشروبات لإثبات ضررها على صحة الإنسان دون أدنى خبرة أو علم بهذه الموضوعات.
- انتهاك خصوصية الأفراد والأسر في الأماكن العامة أو حتى عند تعرض أحدهم لحوادث مرورية أو وعكات صحية مفاجئة.
- التجاوزات اللفظية "الكتابية" والسباب الذي لا يليق بالفضاء الإلكتروني، والأسوأ أن تصدر عن رموز معروفة، إضافة إلى انخفاض مستوى الحوار بمجرد الاختلاف في الرأي، فهناك فئة تطبق مبدأ أن تتبنى نسخة من أفكاري وإلا.
وأخيرا: آمل تفعيل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية وما طرأ عليه من تعديلات بدرجة أكبر، إلى جانب التوعية لذلك من خلال الأسر ومنابر الجمعة والمدارس، مع الطموح بأن يمتثل مشاهير التواصل الاجتماعي أو بعضهم القيم الدينية والإنسانية ليصبحوا قدوات صالحة تترك بصمات إيجابية في حياة الناس.

إنشرها