Author

إفصاح «أرامكو» .. أرقام استراتيجية

|


أعلنت "أرامكو" ولأول مرة في تاريخها بيانات مركزها المالي والدخل والتدفقات النقدية وذلك عن النصف الأول من العام الجاري 2019، ولأنها مرحلة فارقة في تاريخ "أرامكو السعودية"، كما أشار إلى ذلك الرئيس التنفيذي للشركة، فإن هذه المرحلة تضعنا أمام قراءة تاريخية أيضا لهذه البيانات، واذا كان هناك كثير من التكهنات حول مكانة "أرامكو" بين شركات العالم فإن هذه الإفصاحات قد أكدتها دون أدنى شك، فالشركة السعودية العملاقة تتربع اليوم على قمة شركات العالم بلا منازع، والمسافة بينها وبين أقرب الشركات النفطية المماثلة يمكن قراءتها في مستويات أرباح "أرامكو" التي بلغت "46.9 مليار دولار"، فيما حققت شركة رويال داتش شل صافي ربح بلغ 8.8 مليار دولار، وشركة إكسون موبيل نحو 5.5 مليار دولار.
كما أن أفضل شركة في العالم تضع نفسها في مكانة بعيدة عن "أرامكو" حيث بلغت أرباح شركة أبل نحو 31.5 مليار دولار، ونحو 21.6 مليار دولار لـ"مايكروسوفت" و18.8 مليار دولار أرباحا صافية لمصرف جي بي مورجان. هكذا تظهر الصورة الحقيقية لكل الجهود الجبارة التي بذلتها المملكة منذ تأسيس "أرامكو" وهي أن تكون وحيدا في القمة.
فقد أفصحت الشركة أن صافي التدفقات النقدية بنهاية النصف الأول من العام الحالي نحو 52.2 مليار دولار، وبلغ إجمالي التوزيعات النقدية المدفوعة للمساهم في الشركة (أي صندوق الاستثمارات العامة هنا) 46.39 مليار دولار، مقارنة بنحو 32 مليار دولار للفترة المماثلة من العام السابق بنمو 45 في المائة، وقد شملت التوزيعات العام الجاري نحو 26.4 مليار دولار كتوزيعات أرباح عادية ونحو 20 مليار دولار، كتوزيعات أرباح خاصة نظرا للأداء المالي القوي عام 2018. وهنا يجب تأكيد عدة قضايا مهمة فالمالية العامة لن تتأثر بهذه التوزيعات نظرا لأنها تحصل على ضريبة دخل من "أرامكو" بنسبة 85 في المائة، وهذه التوزيعات التي حصل عليها صندوق الاستثمارات العامة ليست مرتبطة بأرباح عام واحد بل هي بحجم الأرباح المحتجزة المتراكمة لدى "أرامكو" وقدرتها على توفير سيولة كافية لهذه التوزيعات اليوم، وإذا نظرت إلى الموقف بهذه الصورة ستجد قدرة "أرامكو" على مد الحكومة السعودية سواء كانت المصروفات العامة التي تمثلها وزارة المالية أو الإنفاق الرأسمالي الاستثماري الذي يقوده صندوق الاستثمارات العامة فإن ذلك يشير إلى القوة المالية التي يتمتع بها صندوق الاستثمارات العامة خصوصا لتنفيذ مشاريعه الكبرى التي بدأت بتحقيق عوائد مجزية منذ الآن، كما أنها ستحقق كثيرا من التدفقات الكبرى في السنوات المقبلة، وهذا التنوع الاقتصادي المنشود، والتربع على عرش الاستثمارات العالمية سيصبح واقعا قريبا ومرة أخرى وحيدا في القمة.
كل هذه التفاصيل التي يمكن قراءتها من إفصاح "أرامكو" تأتي أيضا مع التزامها القوي تجاه حملة السندات الدولية بقيمة 12 مليار دولار، فالإقبال الضخم والكبير على سندات "أرامكو" له اليوم ما يبرره، خاصة مع تراجع الفائدة على السندات الحكومية الأمريكية والسندات الدولية الأخرى، بخلاف سندات الحكومة السعودية وهذه التدفقات الضخمة رغم تراجع أسعار النفط من 69 دولارا إلى 66 دولارا، إلا أن تربع "أرامكو" على قمة الشركات العالمية الرابحة يبعث رسالة اطمئنان كبيرة لكل من نافس في شراء سندات الشركة، فالشركة وفقا لهذا الإعلان أثبتت موثوقيتها من خلال تلبية 100 في المائة تقريبا من احتياجات عملائها من النفط والمنتجات المكررة، مع المحافظة على إجمالي إنتاجها من المواد الهيدروكربونية عند مستوى 13.2 مليون برميل مكافئ نفطي في اليوم، ومتوسط إنتاج يومي من النفط الخام قدره عشرة ملايين برميل في اليوم. كما تمضي الشركة قدما في تنفيذ استراتيجية النمو في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق بما في ذلك عقد صفقات استحواذ سواء داخل المملكة أو في كبريات الأسواق العالمية، ولا يزال العالم ينتظر قراءة تأثير التكامل مع "سابك" في تنويع أعمال الشركة.

إنشرها