FINANCIAL TIMES

طفرة ترمب .. نقلة حقيقية أم خطوة لإثارة الإعجاب؟

طفرة ترمب .. نقلة حقيقية أم خطوة لإثارة الإعجاب؟

"عاد الاقتصاد ليزأر في عهد الرئيس ترمب". هذا ما يقوله بيان على موقع البيت الأبيض على شبكة الإنترنت. هذا الادعاء يحتاج إلى تقييم واقعي.
الاستنتاج هو أن الاقتصاد استجاب لحافز مالي كبير، تقريبا كما توقع أفضل المتنبئين. من غير المرجح أن تستمر هذه الطفرة. التخفيضات الضريبية الكبيرة، كما هو منشود، أفادت أصحاب الشركات بشكل هائل، لكنها بالتأكيد لم تسدد تكاليفها بنفسها. فقد تركت الوضع المالي طويل الأجل هشا، بدلا من ذلك. الجمهوريون سعداء بهذا الأمر.
لعل أبسط استنتاج هو أن الحافز المالي ينجح، حتى في مرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية. وفقا لجيسون فورمان، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد باراك أوباما والآن في جامعة هارفارد، كان الحافز 1.2 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي. توقعت ورقة مشتركة مع روبرت بارو، أيضا في جامعة هارفارد، نُشرت في آذار (مارس) 2018، أن هذا من شأنه أن يعزز معدل النمو بمقدار 1.1 نقطة مئوية في عامي 2018 و2019. ويبدو أن هذا ينسجم مع النتائج حتى الآن.
بالتالي كان معدل نمو الاقتصاد الأمريكي 2.2 في المائة من الربع الأول من عام 2009 إلى الربع الأول من عام 2017 - أعوام الانتعاش بعد الأزمة في عهد أوباما. ارتفع النمو الفعلي على أساس سنوي إلى نحو 3 في المائة منذ الربع الثاني من عام 2018. معنى ذلك أن الاقتصاد تسارع بالفعل على المدى القصير.
هذا التسارع جلب معه انخفاضات إضافية في البطالة. انخفض معدل البطالة من 4.7 في المائة إلى 3.7 في المائة بين كانون الثاني (يناير) 2017 وحزيران (يونيو) 2019. وهذا هو أدنى مستوى له منذ كانون الأول (ديسمبر) 1969. ساعدت هذه المعدلات المنخفضة للبطالة على زيادة التضخم في السبعينيات. هل سيكون الأمر مختلفا هذه المرة؟ لحسن الحظ، لم يحدث اندفاع مماثل حتى الآن. كان هناك ارتفاع متواضع في نمو متوسط الدخل بالساعة للعاملين من القطاع الخاص، من 2.4 في المائة في العام المنتهي في كانون الثاني (يناير) 2017 إلى 3.1 في المائة في العام المنتهي في حزيران (يونيو) 2019. لكن هذا المعدل استقر خلال العام الماضي. من حيث القيمة الحقيقية، ارتفع متوسط الأرباح الأسبوعية 1 في المائة فقط في العام المنتهي في أيار (مايو) 2019. إذا كانت التخفيضات الضريبية قد جلبت الكثير للعاملين، فمن المؤكد أن ذلك عن طريق وظائف إضافية أكثر من ارتفاع الأرباح الحقيقية.
مع ذلك، مشاركة الرجال والنساء الذين تراوح أعمارهم بين 25 و55 سنة في سوق العمل لا تزال دون مستوياتها السابقة. بلغت مشاركة الذكور في سن العمل 89 في المائة في حزيران (يونيو) 2019، مقابل 96 في المائة في أوائل عام 1970. بالنسبة إلى النساء كانت 76 في المائة في حزيران (يونيو) 2019، مقابل ذروة بلغت 77 في المائة في نيسان (أبريل) 2000. يجب وضع انخفاض البطالة في هذا السياق. انخفضت مشاركة القوى العاملة بشكل كبير في حالة الرجال في سن مبكرة. توقف الارتفاع الطويل في المشاركة منذ عقدين من الزمن في حالة النساء في سن العمل.
التأثير الرئيسي للتخفيضات الضريبية في الاقتصاد هو على الأرباح بعد الضرائب، كما يتوقع المرء. انهارت الضريبة الفعلية على الأرباح إلى 10 في المائة في أوائل عام 2018، من 19 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. وهذا هو الانخفاض الكبير الآخر في تاريخ الانخفاضات: في أوائل الخمسينيات وصل المعدل إلى ذروة بلغت 50 في المائة.
المبرر الاقتصادي الكبير لخفض الضرائب على الشركات هو أنها ستزيد الاستثمار. بلغت نسبة الاستثمار الثابت الخاص غير السكني الحقيقي إلى الناتج المحلي الإجمالي 13.8 في المائة في الربع الأول من عام 2019. وهذا أعلى بمقدار 0.8 نقطة مئوية فقط، مقارنة بالربع الأخير من عام 2016. وهو أيضا ضمن النسب التاريخية. تشير الورقة التي أعدها الأستاذان بارو وفورمان إلى أن المعاملة الضريبية المتغيرة للشركات ينبغي أن يكون لها تأثير تصاعدي متواضع على النمو، إلى حد كبير من خلال الاستثمار التراكمي العالي. لكن التأثير سيكون فقط زيادة الناتج المحلي الإجمالي على مدى عشرة أعوام بمقدار 0.2 - 0.4 نقطة مئوية. في ورقة حديثة، يشير البروفيسور فورمان إلى أنه حتى هذا الرقم قد يكون مبالغا فيه، من حيث الدخل القومي الحقيقي للولايات المتحدة بدلا من الناتج المحلي الإجمالي، بمجرد أن يأخذ المرء في الحسبان المدفوعات للأجانب اللازمين لتمويل زيادة الاستثمارات والعجز المالي.
على الرغم من أن التأثير طويل الأجل في النمو يبدو مضطربا، إلا أن التأثير في موارد الحكومة الفيدرالية ليس كذلك. قد تكون هذه هي النقطة الرئيسية، بالنسبة إلى الجمهوريين في الكونجرس على الأقل. التخفيضات الضريبية لا تسدد تكاليفها بنفسها. لكنها تساعد على "تجويع الوحش"، في اللغة المستخدمة لدى الجمهوريين. انخفضت نسبة الإيرادات الفيدرالية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 17 في المائة في الربع الأول من عام 2019، مقابل 18.8 في المائة قبل عامين. بلغت الفجوة بين المقبوضات والإنفاق أيضا 5.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الربع الأول من عام 2019 فيما يجب أن يكون قريبا من ذروة الدورة. ويمكن تبرير ذلك إذا كان هذا العجز يمول الاستثمار. لكنه لا يفعل أي شيء من هذا القبيل. عدم الانضباط في المالية العامة الذي مارسه الجمهوريون سيكون قد أخبر الديمقراطيين أيضا أن المسؤولية المالية لا معنى لها. هذا الإدراك ستكون له آثار كبيرة في المدى الطويل.
سياسة دونالد ترمب الرئيسية هي شكل تراجعي من الكينزية، مغلفة على شكل إصلاح ضرائب الشركات. الإصلاح المذكور حقق مكاسب ضخمة للمساهمين. وجلب معه حافزا قويا على المدى القصير، كانت له آثار جيدة في البطالة. ومن غير المعروف ما إذا كانت معدلات البطالة الحالية قابلة للاستدامة. لكنها لا يمكن أن تستمر في الهبوط إلى الأبد. من المرجح أن تكون الآثار في المدى الطويل متواضعة، مع أن إدارة الاقتصاد على هذا النحو المحموم ربما تولد اندفاعا في الاستثمار، وبالتالي في النمو. بالنظر إلى الضغط على الاحتياطي الفيدرالي للاستمرار في صب البنزين، فإن هذا يمكن أن ينتهي نهاية مؤلمة، وتكون النتيجة هي ارتفاع التضخم، وأسعار الفائدة، وتحطُّم الصدقية المالية والنقدية.
من السابق لأوانه الثناء على اقتصاديات ترمب. لكن ليس من السابق لأوانه أن نلاحظ الوجهة التي تتجه إليها الولايات المتحدة. من الصعب أن نتخيل أن يدافع أي شخص عن الحصافة المالية. الخيار هو في الواقع بين الكينزيين من جناح اليمين وجناح اليسار. على الأمد الطويل، من المرجح لهذا أن تكون له نهاية سيئة. لكن هذا الأمد الطويل سيكون أمدا طويلا للغاية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES