Author

الصكوك .. والثقة بالاقتصاد السعودي

|

لا شك أن إصدارات الصكوك وأدوات الدين في المملكة في القطاعات كافة، أخذت بعدا وتأثيرا كبيرا، عالميا وإقليميا، وكان لها أثر إيجابي واضح، خاصة عقب إعلان مؤشر "جي بي مورجان" للأسواق الناشئة إدراج إصدارات المملكة في مؤشراته للأسواق الناشئة، وهذا - من جانب آخر - حفز إدراج سندات دول مجلس التعاون الخليجي ضمن مؤشر "جي بي مورجان" للأسواق الناشئة، الإجراء الذي جاء بعد تنامي سيطرتها على أكثر من 75 في المائة من إجمالي الإصدارات في الأسواق الناشئة. ووصل إجمالي إصدارات منطقة الخليج إلى 64.8 مليار دولار منذ بداية العام، متفوقة بأكثر من 20 في المائة على ما تم إصداره في العام الماضي. على أنه يجب لفت الانتباه إلى أن إصدارات الجهات السيادية والمصارف الخليجية هي القوة الدافعة الأساسية وراء قوة الائتمان في أدوات الدين الخليجية، كما أشارت إلى ذلك عدة تقارير، حيث إنها استحوذت على 43 في المائة من إجمالي الإصدارات الخليجية، بينما جاءت إصدارات المؤسسات المالية بنسبة 33 في المائة.
هذه الثقة بإصدارات المملكة والمجموعة الخليجية "ذات الدخل الثابت"، تثير أسئلة، خاصة مع تراجع مستويات الفائدة عليها بمقدار 140 نقطة أساس منذ تشرين الثاني (نوفمبر) وتقف عند 3.23 في المائة، وفقا لمؤشر سندات الخليج من "بلومبيرج باركليز". التراجع في معدلات الفائدة على هذه الصكوك والأدوات مع الإقبال الكبير عليها، يمثل فرصة استثمارية كبيرة للمصدرين الحكوميين وغيرهم، ما حفز "أرامكو" على الاستفادة من الوضع الراهن وإطلاق صكوكها التي لاقت إقبالا منقطع النظير، كما استفادت شركة الاتصالات السعودية من الموقف الاستثماري وحققت نجاحا من خلال إصداراتها من الصكوك، وتبعتهما عدة مؤسسات وشركات خليجية. ويبقى السؤال حول هذا الاتجاه والإقبال العالمي والتنافسي في الصكوك الخليجية بشكل عام، والسعودية على وجه الخصوص، رغم تراجع معدلات الفائدة. تشير التقارير بهذا الشأن إلى أن العامل الأساس في ذلك هو الثقة. فرغم الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة كلها، فإن العالم يثق بشكل كبير بقوة الاقتصاد الخليجي وقدرة المملكة على قيادة وضبط إيقاع الاقتصاد في المنطقة، وقد أثبتت تقارير المؤسسات الدولية ومن بينها صندوق النقد ذلك؛ حافظت المملكة على نموها الاقتصادي مع تنامي قدراتها على إصلاح المالية العامة، وتعزيز مشروعها في استدامة الإيرادات الحكومية، ما ينعكس إيجابيا على استدامة العوائد. وفي هذا قراءات بشأن استمرار النمو الاقتصادي في المملكة مع تنامي المخاطر في العالم، وتتضمن القراءات نظرة إيجابية إلى استدامة العوائد. ورغم أن مشاريع الإصلاح الاقتصادية لم تزل في منعطفاتها الأولى، إلا أن ثبات النجاح والنمو في هذا المسار؛ يعزز الثقة والاستدامة الاقتصادية، وهو ما تبحث عنه المؤسسات العالمية، خاصة تلك الملتزمة بعوائد مستقرة مثل صناديق التقاعد. لذا، تبدو المنافسة قوية في الفوز بحصة من الصكوك وأدوات الدين السعودية والخليجية، لأنها من خلال الثقة المتزايدة؛ تمثل ملاذا آمنا للاستثمارات العالمية.
ذلك ليس الحافز الوحيد وحسب، بل لأن استمرار النمو في منطقة الخليج، والمملكة خاصة، يعني قدرة هذه المؤسسات الاستثمارية على الفوز بحصة من هذا النمو لمدد طويلة، ويجعلها قادرة على الوصول إلى سيولة عالية من خلال التدفقات النقدية وأيضا من خلال قدرتها على التحول بسهولة إلى النقد عند الحاجة إليه، ما يدعم مواقفها الاستثمارية في الأجل الطويل. لذا، فإن الجميع يطمع في الفوز بهذه الحصص والصكوك، خاصة إذا استمرت اتجاهات الفائدة نحو الانخفاض، فإن الذين حصلوا على الصكوك المصدرة اليوم أفضل حالا ممن سيحصلون على حصص من الإصدارات القادمة، التي قد تكون بفائدة أقل. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار التداولات على الإصدارات السعودية طالما استمرت اتجاهات الفائدة في هذا النحو، وطالما الجميع يبحث عن ملاذ آمن في اقتصاد عالمي يكتنفه الغموض.

إنشرها