default Author

الدولار ونمو الاقتصاد الأمريكي «2 من 4»

|

يمكن بيان تأثير سعر الصرف الحقيقي للدولار في اقتصادات الأسواق الصاعدة بإلقاء نظرة على أساس كل عقد على حدة على الآثار التي يحدثها في إجمالي الناتج المحلي لأمريكا الجنوبية. والقصة متشابهة في المناطق الأخرى.
السبعينيات: كانت تلك فترة انخفاض سعر صرف الدولار. وكانت السياسة النقدية الأمريكية توسعية، مع انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية "بعد التضخم"، التي كانت في حدود 2 في المائة. ومر النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة بمرحلتي ركود وفترة من ارتفاع التضخم وبطء النمو، وهو غالبا ما يطلق عليه الكساد التضخمي. وكان نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في أمريكا الجنوبية قويا "حيث بلغ أكثر من 6 في المائة في المتوسط"، على خلفية طفرتي أسعار النفط في 1973 و1979 إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأولية بوجه أعم.
الثمانينيات: بعد ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، قام "الاحتياطي الفيدرالي"، وهو البنك المركزي الأمريكي، بتشديد السياسة النقدية في مطلع الثمانينيات. ووصلت أسعار الفائدة الحقيقية إلى 8 في المائة. ونتيجة ذلك، ارتفع سعر الدولار وانخفضت أسعار السلع الأولية. ودخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود، لكنه تعافى بسرعة ونما بقوة خلال الفترة المتبقية من هذا العقد. كان النمو في أمريكا الجنوبية باهتا إلى حد جعل هذه الفترة تعرف بالعقد الضائع في أمريكا اللاتينية. إضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى ارتفاع تكلفة التمويل الدولي ارتفاعا حادا، ما أدى في كثير من الحالات إلى وقوع أزمة ديون سيادية - في أمريكا اللاتينية وبعض الاقتصادات النامية الأخرى.
التسعينيات: بعد ركود عام 1993، شهدت الولايات المتحدة فترة متواصلة من النمو القوي، وهي واحدة من أطول الفترات في التاريخ الحديث. ووصلت أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة إلى مستويات أعلى مما كانت عليه في السبعينيات، لكنها أقل من مستويات الثمانينيات.
واكتسب الدولار القوة بصورة تصاعدية. وكانت أسعار السلع الأولية ضعيفة في معظمها. وبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في أمريكا الجنوبية نحو 3 في المائة، وهي نسبة غير مواتية في اقتصادات الأسواق الصاعدة وأقل من المتوقع بالنظر إلى الإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو في المنطقة خلال السنوات الأولى من هذا العقد.
الألفينيات: بدأ هذا العقد بانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، وانخفاض سعر صرف الدولار، وقوة أسعار السلع الأولية التي ترجع إلى قوة الطلب الخارجي، خاصة من الصين. وانتعش النمو في أمريكا الجنوبية بنحو 4.5 في المائة حتى وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009.
العقد الثاني من القرن الحالي: أخذ سعر الدولار يرتفع مجددا، خاصة منذ منتصف عام 2014. ضعفت أسعار السلع الأولية، ويتوقع أن تظل منخفضة على المدى المتوسط. وإذا كانت الأحداث في العقود الأربعة والنصف الماضية تمثل مؤشرا من أي نوع، فإن اقتصادات الأسواق الصاعدة تواجه فترة من انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي - يصل على أقل تقدير إلى مستوى دونما كان عليه في فترة ضعف الدولار وارتفاع أسعار السلع الأولية. في الحقيقة، أخذت وتيرة النشاط الاقتصادي في الأسواق الصاعدة تتباطأ في الفترة الأخيرة. ويبدو أن الدولار الذي ارتفع بنحو 15 في المائة في الفترة بين 2014 وتموز (يوليو) 2015 ظهر مرة أخرى أحد العوامل وراء تباطؤ النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة، التي خفضت التوقعات بشأنها عدة مرات من صندوق النقد الدولي 2015، والسوق بوجه أعم في الأشهر الأخيرة.
استندنا إلى تجارب اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في توثيق بعض الحقائق العامة واسعة النطاق حول متوسط الأحداث باستخدام بيانات سنوية عن 63 بلدا من هذه البلدان خلال الفترة من 1970 - 2014.
تتزامن فترات ارتفاع سعر صرف الدولار مع تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في مناطق الأسواق الصاعدة. وأثناء فترات انخفاض سعر صرف الدولار يكون أداء اقتصادات الأسواق الصاعدة أفضل بكثير. ويصدق ذلك بصفة خاصة في المناطق المصدرة الصافية للسلع الأولية. وشاهدنا تحديدا حركة متزامنة قوية في أمريكا اللاتينية "خاصة البلدان المصدرة الصافية للسلع الأولية في أمريكا الجنوبية"، وأوروبا الصاعدة والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبدرجة أقل في آسيا الصاعدة.
كلما ازدادت قوة الدولار، ازداد ضعف الطلب المحلي في اقتصادات الأسواق الصاعدة. والطلب المحلي محرك رئيس للنشاط الاقتصادي، ويبدو أن الطلب المحلي يتأثر بالقوة الشرائية التي تقاس بسعر الصرف الفعلي الحقيقي، ومن خلال الطلب المحلي ينتقل أثر سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدولار الأمريكي إلى النشاط الاقتصادي في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ويبدو التأثير في الطلب المحلي أضعف في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الصاعدة وأقوى في أمريكا اللاتينية وأوروبا الصاعدة... يتبع.

إنشرها