FINANCIAL TIMES

"ليبرا" تأخذنا إلى الاتجاه الخاطئ .. في الوقت الخطأ

"ليبرا" تأخذنا إلى الاتجاه الخاطئ .. في الوقت الخطأ

من شأن "ليبرا"، العملة المشفرة المقترحة من "فيسبوك"، أن تسهل على الأموال الساخنة التنقل حول العالم. يبحث المضاربون دائما عن الشيء الكبير التالي. من أكثر الآثار الجانبية المؤلمة للأعوام العشرة الماضية للسياسة النقدية غير التقليدية كان ميل المستثمرين الذين يبحثون عن عائد في عالم أسعار الفائدة المنخفضة إلى التجمع في أحدث فقاعة - سواء كانت الأسواق الناشئة، أو السلع الأساسية، أو السندات عالية المخاطر. لهذا السبب لجأت أحيانا بلدان مثل البرازيل وتايلاند، إلى ضوابط رأس المال لتحقيق الاستقرار في أنظمتها المالية، وهي خطوة حتى صندوق النقد الدولي يعدها الآن شرعية.
تريد "فيسبوك" أن تفعل العكس تماما - تسهيل تدفقات رؤوس الأموال العالمية بعملة رقمية تعمل خارج نظام البنك المركزي القائم. هدفها المعلن هو تسهيل حركة "عالمية، مفتوحة، فورية" للأموال عبر الحدود من خلال عملة مشفرة مدارة من قِبل القطاع الخاص، مقرها سويسرا، تولد بطريقة ما "الثقة" و"الاندماج" المالي في جميع أنحاء العالم.
لنضع جانبا، في الوقت الراهن، التناقضات المتنوعة في بيان "فيسبوك" وكذلك العقبات الفنية والتنظيمية التي لا تزال يتعين عليها تخطيها لإطلاق "ليبرا". "تجدر الإشارة أيضا إلى أن "فيسبوك" تعرضت أخيرا إلى غرامة انتهاك خصوصية بلغت خمسة مليارات دولار فرضتها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية". والسؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت التدفقات المالية الأسهل عبر الحدود هي بالفعل ما يحتاج إليه العالم الآن؟
تقدم "فيسبوك" عملة ليبرا باعتبارها النسخة المشفرة للإقراض المجتمعي، وهو أمر سيساعد الناس في جميع أنحاء العالم على دفع تكاليف مجموعة متنوعة من الأشياء بسهولة أكبر في الاقتصاد الواقعي "القهوة، والملابس، وفواتير الأعمال المرنة وما إلى ذلك". في الواقع، من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات الحالية داخل النظام المالي - بمعنى الفصل بين التمويل والاقتصاد الواقعي.
في مدونة ناقشت أخيرا ما إذا كانت ليبرا ستسهل المزيد من المضاربات عبر الحدود، كتب مايكل بيتيس، الأستاذ في جامعة بكين: "ستتدفق المدخرات إلى حيث يمكن لها أن تتدفق، أو إلى حيث تكون العقوبات أقل، وليس إلى حيث توجد الانتاجية القصوى". هذا صحيح بالتأكيد. هناك مجموعة قوية من البحوث الأكاديمية التي أجريت في السنوات الأخيرة تبين أن وظيفة النظام المالي في كثير من الاقتصادات المتقدمة لم تعد تحويل الأموال إلى استثمارات جديدة ومنتجة، بل الانخراط في شراء وبيع الأصول الموجودة عن طريق التوريق المعقد.
يشير البروفيسور بيتيس إلى أن وقتا طويلا قد مضى منذ أن عشنا في عالم كان فيه المحرك الرئيسي للمدفوعات عبر الحدود هو الاحتياجات المقدرة الحالية للأفراد أو حتى الشركات. بدلا من ذلك، المدخرات العالمية الفائضة التي تبحث عن أفضل عائد يمكنها العثور عليه أينما يكون، هي التي تدفع هذه التدفقات. يكتب: "ليس هناك سبب لنفترض أن هذه الديناميكية لن تتفاقم بسبب استخدام ليبرا".
أثار عدد من الخبراء، بمن فيهم جوزيف ستيجلتز الحائز على جائزة نوبل، والمستشار المصرفي بيرت إيلي، مخاوف بشأن الطرق التي من المحتمل أن تستخدم فيها ليبرا لتسهيل غسل الأموال والجريمة والتهرب الضريبي. لكنني أتساءل ما إذا كان يمكن أن تكون لها تداعيات أوسع على الاستقرار المالي.
تصف "فيسبوك" فوائد التحوط والاستقرار لأداة "مدعومة بمجموعة من الأصول منخفضة التقلب، مثل الودائع المصرفية والأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل المدعومة بعملات من البنوك المركزية المستقرة والمرموقة".
حتى أن بعض المراقبين بدأوا في الإشارة إلى ليبرا بوصفها نوعا من "الذهب" الرقمي. لكن ليس فيها أي من القيود التي يضعها الذهب على كمية المعاملات التي يمكن أن تحدث. في الواقع، كما يشير البروفيسور بيتيس، بعيدا عن التحكم في ارتفاع الأسعار، يمكن أن تفاقم ليبرا الفقاعات من خلال تسهيل تحويل حيازات العملات الصغيرة غير السائلة إلى أرصدة من عملة مشفرة كبيرة ويحتمل أن تكون سائلة للغاية - عملة يمكن أن تشكل ليس فقط فقاعات محلية بل عالمية أيضا.
النتيجة؟ عملة موضوعة بصورة مثالية لتكون وسيلة للأموال الساخنة التي تدخل وتخرج من أي سوق وتكون حديث الناس لبعض الوقت. من السهل تخيل عالم يتم فيه استخدام ليبرا بقدر أقل لمحاولة شراء فنجان قهوة في إسبانيا بدون رسوم صرف العملات، وبقدر أكبر بوصفها جزءا من البحث عن عائد في نهاية دورة اقتصادية، عبر حسابات رأسمال خالية تماما من أي نوع من الحواجز الوقائية. لن تحتاج إلى 500 ألف دولار للمشاركة في مثل هذه المضاربة، بل 500 دولار، أو حتى خمسة دولارات.
الليبراليون الذين حلموا بـ"ليبرا" يرونها بوصفها قوة لا مركزية من أجل الخير في عالم فشلت فيه مؤسسات مركزية كبيرة. لكن ذلك السلوك الذي ينطوي على "التحرك السريع وكسر الأشياء" هو، بطبيعة الحال، أحد الأسباب التي تجعل "فيسبوك" تواجه المشكلات التي تجابهها.
في الوقت نفسه، إحدى المسائل الرئيسة للعولمة تتمثل في أن رأس المال كان قادرا على التحرك بحرية أكبر من البضائع أو الأشخاص. أخشى أن "ليبرا"، على الأقل كما هي متصورة حاليا، ستزيد من تفاقم تلك المشكلة، وتجعل من الصعب على البنوك المركزية ضمان الاستقرار المالي في اللحظات الحاسمة.
قد يكون الأمر الآن أن العالم يحتاج إلى حركة أقل لرأس المال، وليس أكثر. "ليبرا" تهدد بأن تأخذنا في الاتجاه الخاطئ، في الوقت الخطأ تماما.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES