default Author

الدولار ونمو الاقتصاد الأمريكي «1من 4»

|


عندما يشهد الاقتصاد الأمريكي نموا، يكون من المتوقع أن تنتفع اقتصادات أخرى من قوة طلب أكبر اقتصادات العالم على صادراتها - ليس بصورة مباشرة فحسب، وإنما من بقية العالم الذي ينتفع من قوة الطلب من الولايات المتحدة.
ولكن في حالة الأسواق الصاعدة، وبصفة خاصة تلك المصدرة الصافية للسلع الأولية، غالبا ما يكون انتعاش الاقتصاد الأمريكي سلاحا ذا حدين.
فبناء على بيانات الفترة من 1970 إلى 2014 توصلنا إلى أنه أثناء فترات ارتفاع سعر الدولار - التي تراوح أطوالها بين نحو ستة وثمانية أعوام وعادة ما تصادف نمو الاقتصاد الأمريكي- يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الأسواق الصاعدة، حتى إن كان النمو في الولايات المتحدة يدفع الطلب العالمي. وعلى العكس من ذلك، في فترات انخفاض سعر صرف الدولار - التي تستمر نحو تسعة أعوام - يكون أداء اقتصادات الأسواق الصاعدة أفضل.
قد يبدو الأمر مخالفا للبديهة عندما يحقق أكبر اقتصادات العالم نموا ويجذب الواردات، من أسواق منها تلك الصاعدة، ثم يصبح مصير هذه الاقتصادات هو المعاناة. ولكن يبدو أن تأثير ارتفاع سعر الدولار المتمثل في تخفيض أسعار السلع الأولية العالمية يفوق الآثار القوية لسلامة أوضاع الاقتصاد الأمريكي. ويعني ذلك أنه مع ارتفاع الدولار تميل أسعار السلع الأولية المقومة بالدولار إلى الهبوط، وينتج عن ضعف أسعار السلع الأولية هبوط الدخل في اقتصادات الأسواق الصاعدة، وبالتالي تباطؤ نمو الطلب المحلي عليها. والنتيجة تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في اقتصادات الأسواق الصاعدة.
عندما يكتسب الدولار قوة تنشأ آثار خافضة حتى مع ارتفاع الطلب الخارجي على منتجات اقتصادات الأسواق الصاعدة التي يؤدي انخفاض قيم عملاتها إلى جعل صادراتها أرخص. بعبارة أخرى، حتى عند ارتفاع نمو صافي الصادرات، يصبح انخفاض نمو الطلب المحلي أكبر نسبيا، ما يؤدي إلى خفض الإنتاج المحلي الكلي. ويصدق ذلك حتى عندما يؤخذ في الحسبان تزايد دور الصين في تحديد أسعار السلع الأولية، الذي بدأ بشكل جدي في أواخر التسعينيات.
فضلا عن ذلك، بخلاف الآثار التي تحدث في نشاط الأسواق الصاعدة من قوة الدولار وسرعة نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للولايات المتحدة، وجدنا أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية الذي يصاحب نمو الاقتصاد الأمريكي في نهاية الأمر، يؤدي إلى زيادة انخفاض النمو في هذه الاقتصادات. وتكون هذه الآثار أقوى في حالة البلدان التي تطبق نظم أسعار الصرف الأقل مرونة. وبرغم وقوع أكبر الأثر على البلدان المصدرة الصافية للسلع الأولية، فإن البلدان التي تعتمد على استيراد رأس المال للاستثمار أو استيراد المدخلات للإنتاج المحلي هي أيضا تتأثر.
والسبب في ذلك تسعير معظم هذه الواردات بالدولار. وإضافة إلى ذلك، ترتفع تكاليف الاقتراض مع ارتفاع سعر الفائدة، ما يؤثر في الشركات التي تتحمل الديون لتمويل استثماراتها. وكانت الأسواق الصاعدة قد عانت العام الماضي من ارتفاع الدولار وانخفاض أسعار السلع الأولية. وفي ظل توقعات استمرار قوة الدولار وترقب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية ستكون النتيجة في الغالب مزيدا من انحسار النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة في الأجل القريب.
لماذا يأتي سعر صرف الدولار في الصدارة؟ يعود أحد أسباب ذلك إلى أن معظم المعاملات الدولية، بما فيها المعاملات في السلع الأولية، تسعر بالدولار، وهو العملة التي تستخدم فعليا كواسطة عالمية للتبادل وكمستودع للقيمة، ووحدة الحساب. ولا تستطيع اقتصادات الأسواق الصاعدة، ربما باستثناء الصين "وهو على أي حال بلد مستورد للسلع الأولية"، أن تؤثر كثيرا في سعر الصرف متعدد الأطراف في الولايات المتحدة. والمقصود بذلك أنه بينما التطورات في الولايات المتحدة تؤثر في كل اقتصاد من اقتصادات الأسواق الصاعدة، فليس للأحداث التي تقع في هذه الاقتصادات تأثير يذكر في الولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، فالسياسة الاقتصادية الكلية الأمريكية لا تأخذ في حسبانها الاقتصادات النامية كثيرا. ويعني ذلك احتمال أن يكون لسعر الصرف الحقيقي للدولار دور في اقتصاد أي سوق صاعدة أهم من دور معدلات التبادل التجاري لهذا الاقتصاد - أي السعر النسبي لصادرات البلد المعني مقارنة بوارداته. بعبارة أخرى، الدولار هو المحرك النهائي لديناميكيات الأسواق الصاعدة، ومعدلات التبادل التجاري مجرد وسيلة... يتبع.

إنشرها