Author

تداول العملات المشفرة وحدود القانون

|


يبدو اقتصاد العملات الرقمية المشفرة واقعا، لكنه مرير حتى الآن لجميع الأطراف، فرغم القبول المتزايد لهذا النوع من العملات وتزايد الرغبة في إصدارها واقتنائها والمضاربة على ذلك إلا أن الأسواق المالية العالمية لم تزل مترددة في السماح بتداولها على المنصات الموثوقة، وذلك يعود إلى عدة أسباب، أولها وأهمها: القلق المتزايد من قضايا غسل الأموال التي تجد رواجا في استخدام هذه العملات كأداة فعالة في تحقيق تلك الأغراض المجمرة في جميع دول العالم تقريبا، ذلك أن من السهولة بمكان التحول من المصادر المشبوهة للأموال إلى العملات الرقمية وتداولها في الأسواق والعودة مرة أخرى إلى العملات الحقيقية من بابها النظامي.
هذا الأمر يتحقق بسهولة لو تم فتح المجال أمام تداول هذه العملات الرقمية في الأسواق العالمية الموثوقة، وفي هذا الخصوص أهم عبارة نشرتها "الاقتصادية" حول المحادثات التي تجري في هذا الشأن هي أن فكرة تداول العملات الرقمية المشفرة تستدعي أن تكون حرة من غير قيود في بعض الجوانب لكنها تحتاج أن تكون أيضا في غاية الصرامة. وبذلك فإن اقتصادات العملات المشفرة تحتاج إلى تنظيمات حديثة لكن المراكز المالية الكبرى مثل لندن ونيويورك تصر على أن تطبق لوائح الخدمات التقليدية على هذا القطاع الناشئ وهي بذلك تمنع الشركات والأفكار الناشئة في هذه المشاريع من دخول هذه المنصات العالمية.
لكن هنا بعض الأمل للذين ينشدون هذه الصناعة حيث تشير التقارير إلى أن هناك عدة دول تتسابق اليوم في هذا الجانب للفوز بحصة كبيرة قبل فوات الأوان، من حيث إنها تقدم أمانا تنظيميا وحوافز مثل الإعفاءات الضريبية وتتساهل في بعض القيود وتتشدد في بعضها الآخر وتخطط لفتح السوق من خلال وضع قواعد تنظيمية للعملات الرقمية، وهذه الطموحات قد تسهم في تشكيل وتطور السوق العالمية ونمو أطراف هذه الصناعة من منصات التداول إلى السماسرة، لكن المقلق في الأمر حتى الآن أن أي تخفيف في تداول هذه العملات يتطلب تخفيفا في أنشطة غسل الأموال.
المعضلة الأساسية في شائكة فتح المنصات العالمية الموثوقة لتداول العملات المشفرة هو أن منعها من ذلك لن يمنع تداولها من باب أولى، فتداول هذه العملات قائم على قدم وساق، والقلق المتزايد من المسألة القانونية لم يحد من تداولها، وقد لا يحد أبدا من ذلك، ولهذا فإن العالم بحاجة إلى صياغة توافقية مع هذا النوع من الاقتصاد، كما أن من المخاطرة البقاء خارج إطار هذا التطور، ذلك أن هذه الصناعة تشهد تحولات سريعة ولا يمكن التنبؤ بمسارها، ومن يتأخر في الاستجابة بسبب قلق وهواجس قانونية وتشريعية -حتى لو كان لها ما يبررها- سيتجاوزه الزمن بشكل سريع. فإغلاق المنصات العالمية أمام هذا النوع من التعاملات شجع شركات مثل شركة زد. بي. إكس المختصة بالتشفير ومقرها سنغافورة على إطلاق منصة لتداول العملات المشفرة اسمها "كيوم".
خلاصة القول: إن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن هناك سباقا حذرا بين مجموعة من الدول على جذب هذه الصناعة ومنحها فرصا لإقامة منصات تداول للعملات الرقمية المشفرة، ويبقى الحذر في حجم التخفيف القانوني وتأثيره في الاقتصاد والثقة به، وأيضا حجم الإعفاءات الضريبية والرسوم، وأثر كل هذا في الاقتصاد وحركة الأموال في البلاد، ومن المؤكد أن الدول التي بدأت العمل في هذا تراهن على قدرتها على جذب الأموال والاستثمارات والصناديق العالمية.

إنشرها