Author

قراءة في مشاركة العالم استراتيجية الردع السعودي لمواجهة إيران

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى


صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية – حفظه الله – على استقبال المملكة لقوات أمريكية، وهذا يأتي انطلاقا من التعاون المشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ورغبتهما في تعزيز كل ما من شأنه المحافظة على أمن المنطقة واستقرارها. من المهم تقرير عدة قضايا بهذا الشأن، أولها أن وجود القوات الأمريكية في المملكة يأتي نتيجة للتهديدات التي لم تنفك عنها إيران في الممرات المائية سواء في الخليج العربي، أو بحر العرب، وتلك التي امتدت حتى مضيق باب المندب في البحر الأحمر. وتأتي إيران بكل هذه التهديدات مدفوعة برغبة جامحة لإشعال المنطقة وافتعال الأزمات هروبا إلى الأمام من أزماتها الداخلية الكبيرة جدا. فمنذ جاء الملالي إلى حكم الشعب الإيراني المسالم وهم محملون بأوهام الثورة والإمبراطورية الممتدة وإعادة الحكم الفارسي. ولكن منذ تلك الأيام أدرك الملالي صعوبة تحقيق آمال الشعب الإيراني في تحقيق إمبراطورية من الحياة الاقتصادية المزدهرة في رخاء وأمن وسلام دائم. لهذا سعت هذه الطغمة في إيران إلى إرهاق الشعب الإيراني في مشكلات سياسية وحزبية وحروب لا حصر لها، لتبرر له الفشل الاقتصادي الذي وقع فيه، وأصبحت تبحث دوما عن أي أمر من شأنه إشعال المنطقة بالحرب وجر الدول العظمي لمعاداة إيران وافتعال الخصومة معها. هذا الأسلوب الذي اتبعته إيران بدأ إبان حرب الخليج الأولى، وافتعلت إيران أزمة الناقلات النفطية في ذلك الوقت، وهددت بإغلاق مضيق هرمز، ثم عادت إلى افتعال الأزمات بعد فشل تلك الخطط من خلال ميليشياتها في لبنان وافتعال الحرب هناك، ثم الآن في اليمن بحرب عبثية فيه بلا سبب ولا جدوى سوى الهروب من أزمتها الأساسية مع الشعب الإيراني، ولكن هذا العبث لابد أن يجد من يقف ضده، ودائما هي المملكة العربية السعودية التي استخدمت في هذا كثيرا من الأساليب السلمية والقوة الناعمة، وتجنبت افتعال أي حرب مع إيران لأن ذلك يحقق آمال ورغبات الملالي ولو هدم كل مقدرات الشعب الإيراني والمنطقة، ولهذا فإن الأسلوب الأمثل دائما مع إيران هو الردع وليس الحرب، الردع الذي يحقق للمنطقة أمنها الاقتصادي والاجتماعي، الردع الذي يمنع تهديدات إيران ويقطع يدها التي تمتد إلى الدول والمنطقة والشعوب والممرات البحرية والآمنة، وقطع اليد التي تحاول المساس بأمن المملكة والطاقة، وعزل ميليشياتها الخائنة لشعوبها في الدول العربية. هذا النوع من الردع، على الرغم من أنه طويل ومجهد لكنه فعال تماما مع إيران ومثيلاتها وأحبط كثيرا من مؤامراتها، وما افتعلته في الحج مرارا وتكرارا، وردع المملكة لها ولأذنابها يؤكد ذلك.
هذا الردع يحتاج ضمن أمور كثيرة إلى تفاهم واسع مع الشركاء الاقتصاديين والسياسيين في المنطقة والعالم، ولهذا تعمل المملكة جاهدة على كشف مخططات إيران منذ حاولت الاستفادة من الاتفاقية النفطية لتوسيع تهديداتها في المنطقة، ونجحت المملكة في ذلك، وهذا أثار حكومة إيران – كما هو متوقع – وبشكل هستري جعلها تهرب مجددا للأمام وتهدد إمدادات الطاقة كما هو عهد العالم بها، وهي تأمل من تهديد العالم وشركاء المملكة أن تحقق معنى لعل وعسى. وما يحدث الآن من أفعال إيرانية بقطع الطريق في الممرات البحرية، واختطاف السفن، والقرصنة الدولية، هو هذا النوع من التهديد الذي تردعه المملكة وتشارك في ردعه كافة دول العالم. ولهذا صدرت موافقة الملك حفظه الله على استقبال القوات الأمريكية التي ستسهم مع القوات السعودية في تحقيق ردع قوي وجاد وقادر في الوقت نفسه على العقاب المؤلم وبتر اليد التي تمتد بالتهديد وهي أهم سمات الردع الاستراتيجي الذي تعمل عليه المملكة وتنطلق – كما أشرت – في ذلك من رؤية شاملة لإفشال خطط و مآرب حكومة الملالي بحرب مفتوحة تحلم بها منذ تولت زمام الأمور هناك، فالردع كاف لجعل هذه الحكومة تعود إلى الوراء وتواجه الشعب الإيراني المثقل بها تماما، وهو قادر على معاقبتها وانتزاع الأمر منها.
ستدرك إيران اليوم مع صدور هذه الموافقة السامية الكريمة أن المملكة جادة جدا في استمرار الصراع، طالما أن إيران مستمرة في تهديداتها، والمملكة تقف مثل جبال طويق، كما قال الأمير محمد بن سلمان رعاه الله، من المتانة وتماسك الشعب والقوة الاقتصادية والرخاء. والمملكة حكومة وشعبا ينعمان اليوم بمبشرات تحقق مستهدفات "رؤية المملكة 2030"، والمشاريع الاقتصادية الجبارة في كل مكان، فلا ضير على المملكة من استمرار جهود الردع المحدود ولو طال ليقطع اليد التي تمتد لتهديد اقتصاد المملكة أو حدودها أو يهدد السوق النفطية. وإذا كانت المملكة قادرة على ردع إيران وحدها - كما أثبتت الأيام ذلك، وخاصة بعد تمرير الاتفاقية النووية، واستطاعت منفردة أن تواجه إيران وميليشياتها في لبنان واليمن وغيرهما من الدول العربية، فإن تحمل دول العالم لمسؤولياتها في المنطقة هدف بذاته، وخاصة بعد انكشاف رغبة إيران في استغلال الاتفاقية النووية، ومشاركة الولايات المتحدة في الردع يمثل دعما للمملكة والشرعية الدولية والمصداقية في جهود المملكة لردع إيران.

إنشرها