default Author

القوة الضخمة للبيانات وتحول الأعمال والتمويل «1من 2»

|


يمكن أن يصل العالم الآن إلى بيانات أكثر مما كان يمكن تصوره، حتى منذ عقد مضى. وتقوم الشركات بتجميع بيانات جديدة بمعدل أسرع من قدرتها على تنظيمها وفهمها. وعليها الآن اكتشاف كيفية استخدام هذا الكم الضخم من البيانات لاتخاذ قرارات أفضل وتحسين أدائها.
ويسعى هذا المجال الجديد المعني بعلوم البيانات إلى استخلاص المعرفة التطبيقية من البيانات، خاصة البيانات الضخمة، وهي المجموعات الكبيرة جدا من البيانات التي يمكن تحليلها للكشف عن أنماط واتجاهات وارتباطات. وتمتد علوم البيانات من جمع البيانات وتنظيمها إلى تحليلها والحصول على رؤى منها، وفي النهاية إلى التنفيذ العملي لما تم تعلمه. ويتداخل هذا المجال مع الأنشطة البشرية كافة - والاقتصاد، والتمويل والأعمال ليست استثناء.
وتجلب علوم البيانات أدوات التعلم الآلي، وهو نوع من أنواع الذكاء الاصطناعي الذي يعطي للحواسيب القدرة على التعلم دون برمجة فعلية، ولدى هذه الأدوات، مقترنة بالكميات الضخمة من البيانات، القدرة على تغيير ساحة إدارة الأعمال وتحليل السياسات الاقتصادية. وتبشر بعض هذه التغيرات بكثير من الوعود.
إن النمو السريع في تطبيق علم البيانات في الأعمال، ليس أمرا مفاجئا، نظرا إلى قوة الاعتبارات الاقتصادية في هذا العلم. ففي السوق التنافسية، يدفع جميع المشترين السعر نفسه، وإيرادات البائع تساوي هذا السعر مضروبا في الكمية المبيعة. غير أن هناك كثيرا من المشترين الذين لديهم استعداد لدفع أكثر من السعر التوازني، ويحتفظ هؤلاء المشترون بفائض استهلاكي يمكن استخراجه باستخدام البيانات الضخمة لتحديد ملامح المستهلكين.
كما أن تحميل المستهلكين أسعارا مختلفة استنادا إلى ملامحهم التي تم تحليلها، يتيح للشركات إمكانية الحصول على أعلى سعر يكون المستهلك على استعداد لدفعه مقابل منتج معين وتكون لديه القدرة على دفعه. ويكون تحديد أمثل تمييز سعري أو تجزؤ للسوق باستخدام البيانات الضخمة مربحا للغاية. وكانت هذه الممارسة هي العرف السائد في بعض الصناعات، مثل صناعة الطيران، لكنها تمتد حاليا عبر طيف واسع من المنتجات.
إضافة إلى ذلك، فإن المكاسب من الاستهداف السعري، تمكن الشركات أيضا من تقديم خصومات للمستهلكين الذين لم يكن في وسعهم تحمل السعر التوازني بخلاف ذلك، ما يزيد بالتالي الإيرادات ويوسع قاعدة المستهلكين، ومن المحتمل أن يزيد الرفاهية الاجتماعية. ويعد تحديد ملامح المستهلكين باستخدام البيانات الضخمة سببا مهما للتقييمات العالية لشركات مثل "فيسبوك" و"جوجل" و"أكسيوم"، التي تقدم منتجات وخدمات تعتمد على بيانات عملائها.
وفي حين أنه يمكن استخدام البيانات الضخمة لاستغلال المستهلكين، فإنها تغير أيضا الممارسات التجارية بطريقة تساعد هؤلاء المستهلكين. وتستخدم الشركات البيانات التي تولدها التفاعلات بين الناس عبر وسائط التواصل الاجتماعي لفهم سلوكهم الائتماني بشكل أفضل. ويؤدي ربط التاريخ الائتماني السابق للناس بوجودهم في وسائط التواصل الاجتماعي إلى تحسين نظم قياس الجدارة الائتمانية. كما يسمح للمقرضين بتقديم الائتمان إلى الناس الذين قد لا يحصلون على ائتمان بخلاف ذلك.
وعلى وجه الخصوص، تقضي البيانات الضخمة على التحيزات الناجمة عن القرارات التي يتخذها الناس على أساس معلومات محدودة. وأدى هذا النقص في البيانات الفردية الدقيقة إلى الرفض التمييزي لطلبات الحصول على قروض، وهي ممارسة يعود تاريخها إلى ثلاثينيات القرن الماضي. فيرسم مقرضو الرهون العقارية خطوطا حمراء حول مناطق على الخريطة للإشارة إلى أنهم لن يقدموا قروضا فيها بسبب التكوين العنصري أو العرقي لسكانها. وحالت ممارسة التنميط هذه دون منح الائتمان لشرائح كاملة من المجتمع.
وعلى العكس، تلغي البيانات الضخمة التنميط. فيمكن الآن استبدال البيانات الشخصية غير الدقيقة ببيانات أكثر دقة وأكثر صلة بالفرد. ويمكن أن تستغل شركات قياس الجدارة الائتمانية عدم التجانس الذي تكشف عنه التفاعلات بين الناس في وسائط التواصل الاجتماعي، وتدفقات الرسائل النصية، والمدونات الصغيرة، وأنماط بطاقات الائتمان، وبيانات تحديد الملامح، إضافة إلى البيانات الديموغرافية النمطية مثل الدخل، والعمر، والموقع، وييسر استخدام البيانات الأكثر دقة تصنيف الأفراد بشكل أفضل حسب الجودة الائتمانية.
تغير التنبؤ الاقتصادي تغيرا هائلا نتيجة أساليب علوم البيانات. ففي التنبؤ التقليدي، لا تتوافر الإحصاءات الرئيسة عن الاقتصاد، مثل التقرير ربع السنوي لإجمالي الناتج المحلي، إلا بعد فترة تأخير طويلة. ويمكن لعلوم البيانات تجنب هذه التأخيرات عن طريق الاعتماد على المعلومات المبلغ عنها بمعدل أكثر تواترا، مثل معدلات البطالة، أو الطلبات الصناعية، أو حتى الشعور السائد إزاء الأخبار، للتنبؤ بالمتغيرات المبلغ عنها بمعدل أقل تواترا.
وتعرف مجموعة المناهج المشمولة في هذا النشاط باسم "التنبؤ الآني" - وتسمى أيضا تنبؤ الحاضر - لكنها تفهم بشكل أفضل على أنها تنبؤ في الوقت الحقيقي.
وتحقق علوم البيانات نجاحات أيضا في مجال تحليل المخاطر المالية النظامية، فقد أصبح العالم أكثر ترابطا من أي وقت مضى، ويبشر قياس هذه الروابط برؤية جديدة في عملية صنع القرارات الاقتصادية.
ويعد النظر إلى المخاطر النظامية من خلال عدسة الشبكات منهجا قويا. ويستخدم إخصائيو البيانات الآن بيانات غزيرة لبناء صور عن التفاعلات فيما بين البنوك، وشركات التأمين، والسماسرة، وغيرهم. فمن الواضح أن معرفة البنوك الأكثر ترابطا عن غيرها ستكون مفيدة. وينطبق الشيء نفسه على المعلومات المتعلقة بالبنوك الأكثر تأثيرا في السوق، التي تقاس باستخدام أسلوب يستند إلى القيم الذاتية. وبعد بناء هذه الشبكات، يمكن أن يقيس إخصائيو البيانات درجة المخاطر في النظام المالي، فضلا عن مساهمة فرادى المؤسسات المالية في المخاطر الإجمالية، ما يوفر للمنظمين طريقة جديدة لتحليل المخاطر النظامية - وإدارتها في نهاية المطاف... يتبع.

إنشرها