Author

العملات المشفرة لن تهدد عرش الدولار

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.


أطلق قادة العالم ناقوس الخطر بعد إعلان شركة فيسبوك عملتها الرقمية المشفرة "ليبرا" عملة مستقرة، لأنها مربوطة بسلة عملات، إضافة إلى أصول حقيقية وستؤدي دور وسيط تبادل تجاري مستقر، وتحويل النقد عبر الحدود، كما أنها مدعومة من شركتي فيزا وماستركارد، ومن بعض أكبر مؤسسات العالم المالية والتقنية عبر جمعية ليبرا The Libra Association، التي تمثل في حقيقتها اتحاد Union وليس جمعية، والتي تم تأسيسها أخيرا للقيام بإدارة قرارات العملة الاستراتيجية، ومعالجة الآثار التي تظهر مستقبلا، إضافة إلى أن الجمعية تعمل على تأمين العملة على المستوى التقني، والتحقق من صحة وسلامة التعاملات من أي تلاعب.
تبدي البنوك المركزية حول العالم مخاوفها من أن تلك العملة لم تأخذ شكلها القانوني، ولا تزال قيمتها غير واضحة، ولا يمكن استخدامها في سداد الديون والاقتراض أو الوظائف القانونية الأخرى، وفي ظل كل تلك المخاوف النقدية والاقتصادية والتنظيمية، أجد أن العملات الرقمية والتقنيات المالية ستكون واقعا على المستوى العملي، وستغير من حقبة النقد التقليدي، ولا سيما أن تاريخ النقود مر بمجموعة من التحولات حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، لذا أقصى ما يمكن أن تقوم به مجموعة الدول الصناعية الكبرىG7 ومجموعة العشرين G20، التوصية بضرورة ضمان سلامة النظام المالي من انتهاكات غسل الأموال، وضمان عدم تحويل الأموال للدول التي تهدد الأمن العالمي، إضافة إلى أمن المعلومات والخصوصية، والتوافق بين الدول في طريقة تسوية المدفوعات رسميا.
عمليا ليس أمام البنوك المركزية سوى الاتجاه نحو إصدار عملات رقمية مشفرة، إضافة إلى التعامل مع العملات، التي تتسم بالاستقرار والقبول العالمي في التسويات الدولية مستقبلا، في حال وجود قبول وضمانات كافية متفق عليها في مجموعة العشرين.
يظهر لي من الاستقراء العام حول ردود أفعال الدول الكبرى، أنها تختلف بحسب كل دولة، فمثلا الصين تظهر قبولا أوليا بشرط الاستقرار، أما الهند قد لا تكون مرحبة بالعملات الرقمية بشكل كبير، أما اليابان لا تزال قلقة بشكل كبير حول مستقبل العملات الرقمية وتأثيرها في الاستقرار المالي، لذا أرى أن الدول التي لديها زخم كبير من التجارة مع سياسات نقدية غير منضبطة في الصرف، تبدي ترحيبا بالعملات المشفرة المستقرة، لأن ذلك الأمر يسهم في إنعاش التجارة، بعكس الدول التي لديها سياسات نقدية مستقرة ولا يحتوي اقتصادها على نسبة مرتفعة من اقتصاد الظل، أو أموال غير مشروعة، فهي لا ترحب كثيرا بذلك.
أعتقد أن الدولار لن يكون في خطر حقيقي أمام التقنية المالية، لأن الدولار ما زال العملة الاحتياطية الأهم، وعملة الـ"فيسبوك" تحت سيطرة صانع القرار الأمريكي، لهذا لم تبد الولايات المتحدة قلقها بالدرجة الأولى من الاستقرار المالي بقدر قلقها من الخصوصية، وغسل الأموال والتشريعات التنظيمية، وفي كل الحالات ستستمر الهيمنة الأمريكية على منظومة النقد العالمي.

إنشرها