Author

لا أحبه

|

كان زميلي في الدراسة ونحن في المرحلة الثانوية يكره خاله ويراه أبغض الناس. يعود سبب هذا العداء إلى هجومه المستمر على طريقة لبسه وقصة شعره وكلامه. حتى مشية زميلي لم تسلم من لسان خاله. يقول له عندما يشاهده في المجلس بصوت يسمعه القاصي قبل الداني: "مشيتك تشبه الأرنب. تسرع وتقفز. اهدأ قليلا. الحياة لن تطير". نبأ وجود خاله في المنزل يعد أحد أسوأ الأنباء التي يمكن أن يسمعها زميلي. يعد اللحظات التي يوجد فيها في بيته لحظات مريرة تستنزف طاقته. حرصه على رضا أمه منعه من الهروب من جحيم خاله في مرات عديدة. تحضنه والدته وتقول له: "اسمع من هنا وأخرج من هناك"، وهي تشير إلى أذنيها. مع الأسف لم يكن الكلام يخرج من الأذن الأخرى. لقد كان يرسخ ويتعاظم في أعماقه. يستفحل ويكاد يفتك به.
دعاني قبل فترة إلى مناسبة عائلية بعد أكثر من عقدين من مزاملتنا في الثانوية. وعرفني على أقاربه ومن بينهم خاله. سألته ساخرا: "بالتأكيد علاقتكما جيدة الآن، وتضمر له كل حب؟ فلا مجال الآن أن يسخر من شعرك أو يقرعك بسبب خطواتك السريعة وأنت في هذا العمر والمكانة الاجتماعية التي حققتها بفضل إبداعك وتميزك". فأجابني بألم. إجابة مقتضبة، لكن طويلة: "لا أحبه يا عبدالله. قسى علي جدا".
لقد قرعت كلمات زميلي في أذني كجرس منبه. تخبرني بآثار انتقاداتنا الصارخة لأقاربنا وإخوتنا الأصغر منا سنا. تندلع من ألسنتنا دون فلتر وتصفية. تنهكهم وترهقهم وتؤلمهم. فلنحاول أن نتقشف في الانتقادات قدر المستطاع، وأن تكون عباراتنا لينة هينة دون أن تقهر أو تخدش كرامة أحد مهما كان صغيرا، فالذاكرة تحتفظ بالسلبيات وتتمسك وتتشبث بها. فكن ذكرى حلوة. مصدر سعادة وبهجة ومحبة للآخرين. فهي الثروة التي تبقى لك ولي ولنا أجمعين، أحياء كنا أو أمواتا.
يا صديقي، كلماتنا السلبية حادة كإبرة تجرح الآخرين. فتخلد في أعماقهم كوشم لا ينجلي. فلنتخلى عن الإبر ونكون كعطر.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها