Author

السندات والتأمين وضمان الاستثمار

|


على مدى العقود القليلة التالية، ومع ازدياد حاجات البلدان النامية حجما وتعقيدا، طور البنك الدولي وسائل جديدة للاستفادة من رأس المال والخبرات في تلبية هذه الحاجات. وكلما عدمت الأداة القادرة على مواجهة تحدٍ ما، ينشئ البنك الدولي واحدة لهذا الغرض، بما في ذلك تغيير هيكله التنظيمي حتى تحول إلى مجموعة البنك الدولي المعاصرة.
بدا جليا، منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي، مدى تعطش مؤسسات الأعمال الخاصة بالبلدان النامية إلى مزيد من الاستثمارات التي لم تكن السوق قادرة على توفيرها لها. وعندما فتحت مؤسسة التمويل الدولية أبوابها عام 1956، أسندت إليها مهمة صعبة: الاستثمار في المشاريع الخاصة فقط "في الحالات التي لا يتوافر فيها رأسمال خاص كافٍ بشروط معقولة". وبتعبير آخر، كان يتعين على المؤسسة البحث عن المشاريع التي لم تكن جذابة بالقدر الكافي في أعين مستثمري القطاع الخاص، لكن بإمكانها مع ذلك أن تعزز الأوليات الإنمائية القطرية، والاستثمار فيها. وعثرت المؤسسة على عديد من الاستثمارات المستوفية لهذه الشروط. وطوال العقود الستة الماضية، ساعدت في تقديم ما يزيد على 250 مليار دولار لتمويل مؤسسات الأعمال في البلدان النامية، وتقوم اليوم بإنشاء أسواق في بعض المناطق الأكثر تحديا في العالم.
خلال سنوات البنك الأولى، كانت أشد البلدان فقرا في العالم بحاجة إلى رأس المال، لكن لم يكن في مقدورها الاقتراض بالمعدلات نفسها التي تقترض بها البلدان المتوسطة الدخل. لهذا السبب أنشأ مساهمو البنك عام 1960 المؤسسة الدولية للتنمية، باعتبارها صندوقا للبلدان الأكثر فقرا، لتقديم المنح والقروض الميسرة التي تقترب فائدتها من الصفر. ومنذ ذلك الحين، قدمت المؤسسة ـ التي تجدد مواردها كل ثلاث سنوات ـ أكثر من 360 مليار دولار لتمويل الاستثمارات في 113 بلدا. وفي عام 2018 وحده، صرفت المؤسسة 24 مليار دولار على هيئة منح وقروض ميسرة لمشاريع تهدف إلى إيجاد الوظائف وتحفيز النمو الاقتصادي، ومساعدة النساء على المشاركة الكاملة في الاقتصاد، وبناء القدرة على مجابهة تغير المناخ، ومعالجة أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. كما طرحت المؤسسة، في عام 2018 كذلك، أول سنداتها بقيمة 1.5 مليار دولار، من شأنه أن يعزز موارد الصندوق، دون أموال إضافية من المانحين.
بزغت فكرة إنشاء هيئة من الخبراء الفنيين لتسوية النزاعات منذ أن بدأ البنك الدولي في الإقراض. وفي سنواته الأولى، كان البنك يتلقى عددا كبيرا من الطلبات لتوسط المؤسسة أو رئيسها في نزاعات بين المستثمرين والحكومات، إلى أن قرر المساهمون إنشاء آلية منهجية تتولى الوساطة. وفي عام 1966، افتتح المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار لتسهيل التحكيم بين المستثمرين والدول. وطوال العقود التالية، ساعد المركز في تسوية عديد من النزاعات حول العالم، بما في ذلك عديد من النزاعات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.
بزغت فكرة إنشاء أحد أشكال التأمين ضد المخاطر السياسية بعد وقت قصير من بدء البنك عمليات الإقراض. ولم تتحول هذه الفكرة إلى حقيقة واقعة إلا بعد أربعة عقود، عندما أنشأت إحدى الاتفاقيات الدولية الوكالة الدولية لضمان الاستثمار بوصفها أحدث أعضاء مجموعة البنك الدولي. واليوم، تمكن الوكالة المشاريع والقطاعات والبلدان من تعزيز التنمية عن طريق توفير التأمين ضد المخاطر السياسية وتعزيز الائتمان.
وفي عقودها الثلاثة الأولى، قدمت الوكالة 45 مليار دولار في صورة ضمانات لمساندة أكثر من 800 مشروع في أكثر من 111 بلدا. وفي العام الماضي، قدمت الوكالة 5.3 مليار دولار من أدوات التأمين ضد المخاطر السياسية وتعزيز الائتمان، ما ساعد على تمويل مشاريع بقيمة تقارب 18 مليار دولار في البلدان النامية. ودون أن تقرض الأموال بصورة مباشرة، أصبحت الوكالة ثالث أكبر مؤسسة بين بنوك التنمية متعددة الأطراف من حيث حشد رؤوس الأموال الخاصة المباشرة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ومع ازدياد مهام مجموعة البنك الدولي حجما وتعقيدا، أصبحت أبعد عن المركزية. واليوم، يوجد لمجموعة البنك الدولي 141 مكتبا ميدانيا، وموظفون يعملون بشكل روتيني في ظروف صعبة، وفي أماكن تعاني الهشاشة والصراعات والعنف.
وتعمقت ابتكارات مجموعة البنك الدولي في قطاع التمويل. فكان البنك، في عام 1981، رائدا في مقايضة العملات، مقايضا الدولار الأمريكي بالفرنك السويسري والمارك الألماني مع شركة IBM التكنولوجية. ويبلغ حجم سوق مقايضة العملات اليوم قيمة اسمية تزيد على 25 تريليون دولار. وفي عام 1989، أصدر البنك الدولي أول سندات يتم تداولها وتسويتها عالميا، الأمر الذي أدى إلى القضاء على التفاوتات السعرية بين الولايات المتحدة وأوروبا، ودفع مجموعة من 14 بنكا إلى خفض رسومها. وقد مكنت هذه التحسينات جميعا البنك الدولي من خفض تكلفة الاقتراض بالدولار الأمريكي.
كما أنشأ البنك الدولي أول سندات إلكترونية عام 2000. فكان بذلك أول سند يطرح عالميا على منصات الإنترنت، ما مكن المستثمرين من الاستثمار في عمليات البنك التنموية، للمرة الأولى. وبعدها بثمانية أعوام، طرح البنك أول سندات خضراء في العالم، وأصبح بإمكان المستثمرين للمرة الأولى مساندة المشاريع المعنية بتغير المناخ بشكل مباشر دون التعرض لمخاطر المشاريع. وساعدت السندات الخضراء في تغيير الطريقة التي يوزع بها المستثمرون استثماراتهم على نحو يوازن بين المخاطر، والعائد، والأثر.

إنشرها