FINANCIAL TIMES

المستثمرون يجب أن يستعدوا .. أوروبا مقبلة على متاعب

المستثمرون يجب أن يستعدوا .. أوروبا مقبلة على متاعب

المستثمرون على المدى الطويل في الأصول المالية الأوروبية لديهم أمور جيدة كثيرة، لكنها يمكن أن تصبح سيئة إذا أفرطوا فيها. هذا ليس فقط لأن تقييمات الأسهم والسندات كانت تمضي قدما بشكل أسرع بكثير مما يمكن أن تبرره أساسيات الشركات والأساسيات الاقتصادية. الطريقة التي تتحرك بها أسعار أصول معينة يمكن أن تقوض بحد ذاتها استدامة عوائد الاستثمار واستقرار النظام المالي كله.

في الأسبوع الماضي، أضافت الأسهم والسندات الأوروبية مكاسب إلى ما كان نتائج جيدة في النصف الأول من العام. ارتفع مؤشر يورو ستوكس 50 الخاص بالشركات الكبرى 2 في المائة، ووسع مكاسبه 16 في المائة في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى حزيران (يونيو). في الدخل الثابت، ارتفعت السندات الحكومية الألمانية القياسية لأجل عشر سنوات أيضا، ليصل العائد خلال العام الجاري حتى الآن إلى 6.5 في المائة، في حين قفزت السندات النظيرة الإيطالية 3 في المائة خلال الأسبوع.

من المفارقات، أن هذا جاء خلال أسبوع أشارت فيه البيانات إلى مزيد من الضعف في النشاط الاقتصادي الأوروبي. مؤشرات مديري المشتريات لشهر حزيران (يونيو)، مثلا، أشارت إلى مزيد من انكماش التصنيع في معظم منطقة اليورو. تضخمت القراءة الضعيفة بشكل خاص لألمانيا بانخفاض سنوي قدره 9 في المائة في طلبيات المصانع. واتخذت مقاييس توقعات التضخم خطوة أخرى نحو الأسفل.

في الوقت نفسه، كان تهديد الحكومة الأمريكية بفرض رسوم على صادرات أوروبية بقيمة 25 مليار دولار تذكيرا بأن الاقتصاد ليس محصنا من التوترات التجارية. تفاقم ضعف النمو بسبب تغريدة للرئيس دونالد ترمب تجمع أوروبا مع الصين عندما يتعلق الأمر بـ"ممارسة (لعبة) كبيرة للتلاعب بالعملة".
هذا التناقض الصارخ بين ارتفاع أسعار الأصول ذات المخاطر وتراجع الآفاق الاقتصادية هو دلالة على التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي سيضخ مزيدا من السيولة في النظام.

في الأوقات العادية يرحب صانعو السياسات والمحللون بالأسواق التي تتولى شيئا من العبء الثقيل للبنوك المركزية - بمعنى استباق إجراءات السياسة من خلال خفض أسعار الفائدة والمساعدة على تحفيز زيادة الاستثمار والاستهلاك والنمو. لكن هذا بعيد كل البعد عن كونه من الأوقات العادية.

أسعار الفائدة الأوروبية ليست منخفضة من الناحية التاريخية فحسب، بل انتقلت إلى المنطقة السلبية في عديد من أسواق السندات في المنطقة. في الأسبوع الماضي فقط، وصل العائد على سندات الخزانة الألمانية لأجل عشر سنوات إلى أدنى مستوى تاريخي بلغ سالب 0.4 في المائة، وجرجر معه العوائد على السندات ذات آجال الاستحقاق الأخرى. هذه التداعيات شعرت بها حتى البلدان التي لديها مخاوف بشأن الاستقرار المالي، بسبب مزيج من النمو الاقتصادي المنخفض والمديونية الحكومية العالية والممتلكات الكبيرة من الأوراق المالية الحكومية من قبل الكيانات المالية المحلية (أو ما يُعرف بـ"حلقة الموت").
في إيطاليا، مثلا، هبطت العائدات على السندات لأجل عشر سنوات أكثر من 50 نقطة أساس إلى 1.59 في المائة فقط، قبل تصحيح طفيف بعد تقرير الوظائف الأمريكية القوي بشكل غير متوقع يوم الجمعة.
في حين أن قليلا من الاقتصاديين يتوقعون أن يؤدي انخفاض أسعار الفائدة إلى تحفيز النمو، إلا أن تركيز أسواق الأسهم يقع في مكان آخر.

حين تؤخذ أسعار الفائدة الأدنى كمدخلات، تومض نماذج تقييم الأسهم التقليدية باللون الأخضر الأكثر إشراقا أو على الأقل، الأدنى اصفرارا أو احمرارا. يشعر المستثمرون بالراحة للدخول في مزيد من المخاطر عندما تدعمهم البنوك المركزية التي توفر سيولة كبيرة يمكن التنبؤ بها. وهذا يعَقِّد ظاهرة "السعي وراء العوائد" في الوقت الذي يدفع فيه انخفاض العوائد المتوقعة من الأصول ذات الدخل الثابت العالي الجودة، المستثمرين إلى المغامرة في مناطق أكثر خطورة، وأقل ألفة، وأقل سيولة في السوق.
لكن ما قد يكون مفيدا لعوائد الاستثمار في المدى القصير يزيد خطر الضعف الاقتصادي والمالي في المستقبل. في الواقع تقترب أوروبا من الخط الذي تطغى فيه التكاليف والمخاطر على فوائد أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.

بدلا من رؤية انتعاش في النشاط الاقتصادي تتعرض القارة للتهديد من قبل ما أصبح يعرف بـ"الظاهرة اليابانية": مزيج من العوائد المنخفضة والنمو البطيء وتوقعات التضخم المنخفضة، ومزيد من القلق بشأن عدم فاعلية مجموعات أدوات صناع السياسة المتضائلة.

في الوقت نفسه، تتضاعف المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي على المدى المتوسط، بسبب الفجوة بين ارتفاع أسعار الأصول والأساسات الاقتصادية الأكثر تباطؤا، والمجازفة المفرطة للمخاطر في كل من أوساط المستثمرين والأوساط المصدرة للسندات.
وكلما طال أمد هذا، زاد احتمال هذا المزيج المروع من انخفاض أسعار الأصول، وتقنين الائتمان، والسيولة المتوترة، والعقبات التي تحول دون تغيير مراكز محافظ الاستثمار وهياكل الديون - وكل ذلك من شأنه أن تكون له مرة أخرى تداعيات تؤدي إلى نمو أضعف.

لذلك، يجدر بالمستثمرين الأوروبيين على الأمد الطويل أن يستفيدوا من ارتفاع أسعار الأصول المدفوع بالسيولة من أجل تعزيز مراكزهم النقدية المنخفضة، ليس فقط من أجل تقليص المخاطر الكلية، إنما لإعطاء أنفسهم القدرة النقدية التي تخولهم الاستفادة من التحولات التي يغلب عليها تدمير الأسواق بصورة عشوائية.

يجدر بهم أيضا، من أجل الجودة، استبدال مقتنياتهم من سندات الشركات والسندات السيادية، من خلال التركيز على جهات الإصدار التي تتمتع بميزانيات عمومية قوية ونماذج أعمال أكثر تنوعا، وفي الوقت نفسه التحول من الاستراتيجيات المدارة سلبيا إلى الاستراتيجيات المدارة إيجابيا في تعاملاتهم في قطاعات السوق الأقل سيولة.

أخيرا، يجدر بهم تنويع بعض استثماراتهم الأوروبية إلى استثمارات في مناطق أخرى تتمتع بأساسيات أقوى، التي هي أيضا أقل تعرضا للتجارة العالمية المتراجعة.

* كبير المستشارين الاقتصاديين لدى مجموعة أليانتز، والرئيس المنتخب لكلية الملكة في جامعة كامبريدج.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES