Author

خامنئي يدمر وسائل إنقاذه

|
كاتب اقتصادي [email protected]


«على بريطانيا أن تشعر بالخوف من الإجراءات التي ستتخذها إيران ضدها»

محمد موسوي جزائري، عضو مجلس الخبراء في إيران


أطلق النظام الإيراني سلسلة من التهديدات المباشرة لبريطانيا، في أعقاب احتجاز مشاة البحرية البريطانية ناقلة نفط إيرانية عملاقة في منطقة جبل طارق. وعد أصحاب هذه التهديدات "العنترية" المملة، أن الرد على لندن سيكون قويا، مثلما كان ردهم الذي تمثل في إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة الشهر الماضي. بعض أتباع النظام هدد باحتجاز ناقلات بريطانية، بل مضى آخرون بالتهديد أبعد من ذلك، عندما أعلنوا إمكانية استهداف قطع عسكرية تابعة للمملكة المتحدة! بالطبع، لندن، مثل بقية عواصم صنع القرار الأوروبي، التزمت الصمت ولم ترد على هذه التهديدات، لسببين، الأول: أنها ربما اعتادت على الإهانات الإيرانية هي وبقية العواصم المشار إليها. والثاني: أنها وضعتها ضمن التهديدات الصوتية. علما أنه كان من الأفضل، في النهاية، أن تُصمت هذه الأصوات.
كل هذا ليس مهما بالفعل، في أعقاب الإعلان الرسمي الإيراني، أن طهران ستتجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم المحددة في الاتفاق النووي الشهير. هذه المرة رد الأوروبيون على هذا "الفجور" الإيراني الجديد، وإن كان بمستوى لا يوازي خطورة هذا الإعلان. تحرك الأوروبيون ضمن النطاق نفسه، وهو تحذير "لطيف" من جانبهم للنظام الإرهابي الذي يحكم إيران. فهذه المسألة خطيرة بالفعل، وبالإمكان أن تقلب المشهد الراهن رأسا على عقب. لماذا؟ لأن الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق المشار إليه باعتباره أسوأ اتفاق على الإطلاق، ووضعت مع انسحابها تحذيرا لا يمكن لأحد أن يدعي عدم فهمه. فزيادة نسبة التخصيب، تعني - ببساطة - أن طهران ماضية إلى الأمام للاستحواذ على سلاح نووي يضع المنطقة والعالم في خطر داهم. وهذا لن تقبل واشنطن به، ولا حتى أوروبا الناعمة حيال إيران.
التحذير الأمريكي جاء من الرئيس دونالد ترمب مباشرة. والحق، أن واجب الاتحاد الأوروبي "على وجه الخصوص" أن يتحرك بأكثر من تحذيرات "ناعمة"، وأن يمضي قدما في دفع نظام علي خامنئي إلى التفاوض مجددا على اتفاق نووي جديد، وأن يمهد الطريق لهذا الهدف، خصوصا أن المسألة برمتها ليست محصورة بين طرفين "دولتين"، بل هي قائمة في الواقع بين إيران من جهة، والمجتمع الدولي كله من جهة أخرى. ناهيك عن إمكانية وصول أدوات النظام الإيراني الإرهابية إلى قلب أوروبا. وهذه ليست مبالغة، بل حقيقة تحدثت عنها المؤسسات الاستخباراتية والأمنية الأوروبية في الأيام القليلة الماضية. هذه المؤسسات طالبت - بالفعل - حكوماتها بالعمل السريع من أجل منع أي أعمال إرهابية تستهدف القارة الأوروبية.
لنترك هذا جانبا لبعض الوقت، ففي تقرير صدر أخيرا عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن، جاء أن هناك إمكانية كبيرة لاستفادة تنظيم "القاعدة"، من الأجواء العامة في المنطقة، خصوصا من الخلاف الأكبر بين الولايات المتحدة وإيران. وهذا ليس جديدا، فقد ثبت على مدى أكثر من عقدين من الزمن، مدى تعاون نظام الإرهاب في طهران مع هذا التنظيم الإرهابي، وكيف مكنت إيران التنظيم من الحصول على الإمدادات والمساعدات اللوجستية، إلى جانب إقامة معسكرات تدريب، وإيواء عناصر وأهالي التنظيم نفسه في مناطق آمنة. و"القاعدة" تقوم منذ فترة طويلة لضم منتسبي "داعش" إليها، ولا سيما في أعقاب الانهيارات التي تعرض لها هذا التنظيم الإرهابي الجديد. إنها الفرصة المثلى التي تتكامل عبرها جهود الخراب بين "القاعدة" و"داعش" ونظام علي خامنئي.
رفضت طهران كل العروض المقدمة لها، بما فيها تلك التي أعلنها دونالد ترمب، الذي لا يزال يشدد على أنه يفضل الحوار حتى دون شروط مسبقة. لكن التوجه الإيراني التقليدي يتصادم مع كل هذه العروض، الأمر الذي يزيد احتمالات الانفجار في أي لحظة. انفجار ستدفع إيران ثمنه غاليا جدا. بالأمس هددت دولة مثل بريطانيا بتلقي ضربات منها، وفي غضون ذلك أكدت رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في تهديد هذه المرة للعالم أجمع. ولا تزال ترفض الدعوات الأوروبية بالالتزام بالاتفاق النووي، لإفساح المجال أكثر أمام الاتحاد الأوروبي للعمل من أجل الوصول إلى حلول ناجعة للأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن، أو بمعنى آخر، لمنع الانفجار الذي يأخذ مكانه في المقدمة شيئا فشيئا.
من هنا، فإن المشهد العام سيكون مختلفا تماما في المرحلة المقبلة، فالأوروبيون لا يستطيعون الاستمرار إلى ما لا نهاية في حماية نظام لا يرغب في الحوار، بل نظام يطلق التهديدات هنا وهناك بأشكال مختلفة. لم يعد هناك شيء أمام طهران لتستند إليه، فالرأي العام الأوروبي - مثلا - فاض به الكيل من سياسات حكوماته البلهاء حيال الأمر برمته، بل هناك مسؤولون أوروبيون باتوا يتحدثون بصرامة مشابهة للصرامة الأمريكية. علي خامنئي فجر كل الأدوات التي كانت ستجنبه الخراب الذي جلبه للمنطقة والعالم.

إنشرها