Author

نظرة على الاقتصاد في النصف الأول

|
كاتب ومستشار اقتصادي


انتهى النصف الأول من 2019، وللتذكير فقد بدأ العام والاقتصاد موعود بتوسع إنفاقي حكومي معلن يجاوز التريليون ريال للمرة الأولى في تاريخ الموازنة، كما أن من مزايا 2019 أنها سنة مستقرة، حيث لم ولن يتم خلالها تحميل المواطن ولا قطاع الأعمال أية تكاليف إضافية "باستثناء ارتفاع طفيف في سعر الوقود".


ولأن إحصاءات النصف الأول لم تصدر بعد، إلا أن ما أعلن في الربع الأول- مدعوما بالقراءة الاقتصادية- يعطينا نظرة ولو مختصرة عن وضع الاقتصاد خلال النصف الماضي؛ ولا سيما أن الربع الثاني لم يشهد أحداثا تجعله يبتعد كثيرا، عما تحقق خلال الربع الأول.


من ناحية المالية العامة، كان الوضع جيدا خلال الربع الأول، وسيستمر خلال الربع الثاني، وللمثال فقد شهدت عوائد الربع الأول ارتفاعا في إجمالي الإيرادات بنسبة 48 في المائة، مقارنة بالربع الأول من 2018، كما ارتفعت الإيرادات غير النفطية في الربع الأول بنسبة 46 في المائة، وحققت الموازنة فائضا، وهي كلها أرقام مطمئنة وجيدة بوضع المالية العامة للحكومة.


فيما يخص القطاع الخاص، فأرقام هيئة الإحصاءات تقول إنه حقق نموا قدره 2.3 في المائة؛ وزادت القروض المصرفية المقدمة له بنسبة 3 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، ومن المتوقع أن يراوح رقم النمو في الربع الثاني حول هذا الرقم، وهذا النمو يؤكد ما ذكرته في أكثر من مقال بأن القطاع الخاص تجاوز رفع التكاليف، التي أضيفت عليه خلال العامين الماضيين وعاد للنمو بشكل مقبول، وأقول مقبولا، لأننا نقارن بسنوات ركود.


فيما يخص أداء السوق المالية، أغلقت "تداول" بنهاية 2018 على 7827 نقطة، لكنها اليوم تراوح عند 8853 نقطة، أي أنها ارتفعت خلال النصف الأول بنحو 1000 نقطة، وهذا يعود لدخول صناديق خاملة للسوق بعد ضمها للمؤشرات العالمية في "مورجان ستانلي" و"فوتسي راسل"، وإن كان عدد من شركات السوق الصغيرة يحتاج إلى معالجة أو تصفية، لأن سمعتها وخسائرها تؤثر في السوق ولا تنفعه.


بالتأكيد، الأرقام الإيجابية السابقة، ما زال ينقصها أن ننظر لثلاثة أرقام أخرى هي التضخم، والبطالة، والإسكان، والأول وهو التضخم ما زال في النطاق السالب حتى نهاية أبريل الماضي، والرقم السالب قد يناقض رقم النمو الموجب، ولكن إذا عرفنا أن الإشارة السالبة ناتجة من الانخفاض الكبير في الإيجارات فسنصل إلى أن التضخم ليس مشكلة رغم إشارته السالبة.

فيما يتعلق بالإسكان، فالوضع يشهد تحسنا ونموا طفيفا، لكن حتى مع زيادة عدد ونسب القروض البنكية العقارية، إلا أنها لن تتجاوز الطبقة القادرة من طالبي السكن، وهي طبقة ليست كبيرة، وما زالت حلول الإسكان تدور حول القروض البنكية والقروض الحسنة، وزيادة الدعم ليشمل من تقل رواتبهم عن 20 ألفا، وهي كلها حلول ذات تكلفة عالية على المواطن والاقتصاد لأن الوزارة لم تبدأ بعلاج مشكلة غلاء الأراضي، لتستقيم الحلول اللاحقة لها.


في البطالة، الوضع ليس كما نأمل، والحسنة الوحيدة كان انخفاض الرقم عن مليون عاطل لأربعة أرباع متتالية أي سنة كاملة، إلا أنه بمقارنة الأرباع الثلاثة الماضية نجد أنه رغم انخفاض البطالة بنسبة طفيفة خلال الربع الأول إلا أن الانخفاض يعود لتناقص القوة العاملة في البلد، وليس لانخفاض عدد طالبي العمل، وللتوضيح فقد كان عدد العاطلين خلال الربع الثالث من 2018 يصل إلى 923.5 ألف عاطل، وكانت النسبة 12.8، في حين كان عدد العاطلين خلال الربع الأول أكبر وبلغ 945.3 ألف عاطل، لكن النسبة جاءت أقل وسجلت 12.5 في المائة ("الاقتصادية"، 3 يونيو 2019).


تبقى النقطة المهمة في اقتصادنا، وهي حجم الإنفاق الحكومي على المشاريع، والواضح أن حجم الإنفاق الحكومي لم يزد في الربع الأول على 13 في المائة، وهي نسبة قليلة، مقارنة بالمستهدف حين إعلان الميزانية، التي قدرت الصرف على المشاريع الرأسمالية بـ246 مليار ريال أو ما نسبته 22.2 في المائة من إجمالي النفقات.


والنقاط الثلاث الأخيرة، وهي حلحلة البطالة، والسكن، وزيادة الإنفاق الرأسمالي للحدود المعلنة سابقا هي ما تحدد مجتمعة مدى انعكاس النمو والخطط والبرامج المعلنة على حياة المواطن فعليا، وننتظر نتائج نصف العام لنحكم على تحسنها.


ختاما، أود التذكير أن 2019 عام حيوي ومهم لاقتصادنا، ففيه عاد الاقتصاد للنمو وتجاوز الركود، الذي عاشه خلال ثلاث سنوات، كما أنه عام المدخل لتحقيق الوجه الأول من الرؤية بنهاية 2020، ولذا فكل رقم يجب أن يقرأ ويحلل جيدا، وكل تأخر يجب أن يحاسب، وكل خلل يجب أن يعدل، لأن إنجاز المرحلة الأولى من الرؤية في الوقت المحدد وبالتخطيط المستهدف ضروري ومهم، لما بعده من الخطط والبرامج.

إنشرها