Author

غسل الأموال .. كأن شيئا لا يحدث

|


الأرقام التي أشارت إلى مستوى غسل الأموال حول العالم، ليست جديدة لكنها تبقى في كل الأزمنة صادمة. فهذه العمليات تجري على مدار الساعة، وناتجها المالي يدخل ضمن الاقتصادات الشرعية أيضا.

ولا غرابة عندما اعترفت المصارف في أعقاب انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، بأنها اعتمدت على الأموال القذرة كي تتفادى الانهيار.

وكان هذا الاعتراف بحد ذاته وصمة عار على النظام المالي العالمي بشكل عام، والغربي على وجه الخصوص، لأن الحكومات الغربية تعترف هي الأخرى بزيادة عمليات غسل الأموال على أراضيها بصورة أو بأخرى، فضلا عن الأقاليم التابعة جزئيا لبعض الدول الكبرى، التي بهذه الأموال الناتجة من كل ما هو غير مشروع، بما في ذلك المخدرات والفساد وسرقة المال العام، والاتجار بالبشر والتهريب، وتجنب الضرائب.


عمليات غسل الأموال تلتهم سنويا 5 في المائة من الناتج العالمي! بحيث تصل الخسائر إلى ما يزيد على تريليوني دولار كل عام. وهذا أسهم إلى حد بعيد في تآكل النمو الاقتصادي. وتأتي هذه الأرقام في الوقت الذي يخشى فيه العالم من مغبة استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي،ولا سيما وسط المعارك التجارية الجارية حاليا على الساحة.

والحق أن هذا الاقتصاد لم يستفد كثيرا من خروجه من براثن الأزمة بعد انفجارها بعشر سنوات.
ومن هنا، فإن الأموال القذرة تسهم ليس فقط في الأضرار المباشرة على الاقتصادات الوطنية، بل في ضرب المحاولات الدولية الرامية لدفع النمو إلى الأعلى، أو على الأقل الحفاظ على مستوياته الحالية المنخفضة أصلا.


وعلى الرغم من أن الحكومات حول العالم اتخذت سلسلة من الإجراءات للتقليل من وتيرة عمليات غسل الأموال، إلا أن هذه العمليات تجري كما لو أن شيئا لم يحدث. البعض يتهم حكومات بعينها بالتقاعس على اعتبار أن الأموال القذرة ترفد اقتصاداتها ولا سيما في البلدان الكبرى.

لكن في الواقع لا بد من الإشارة هنا إلى استحالة القضاء على هذه الآفة في فترة زمنية قصيرة. لماذا؟ لأنها صارت منذ عقود متشعبة، ومعقدة، وكثيرة الأدوات المتجددة.

فضلا عن القوانين التي يصعب تطبيقها في مناطق محددة حول العالم، خصوصا تلك التي تتخذ أشكال أنصاف دول، أو محميات، أو شيء من هذا وذاك. ومن هنا، لا بد من التعاطي الواضح والمفتوح وتحميل أي دولة مؤثرة مسؤولية التصدي لهذه الأموال السائبة.


في العقود الماضية تداخلت الأموال القذرة بالنظام المالي العالمي بصورة شديدة.

وللإنصاف صار من الصعب فصلها بالسرعة المطلوبة. وفي السنوات الماضية تعرض عدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية لعقوبات مشددة من قبل الحكومات لهذا السبب، إلا أنها "أي الحكومات" لم تتمكن من توفير ضمانات واقعية للتخلص من هذه الآفة.

وفي أعقاب الأزمة العالمية المشار إليها، اتخذت سلسلة من القرارات لمواجهة غسل الأموال، وكانت النتيجة مثلا أن هذه الأموال وصلت حاليا إلى ما يوازي 1.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الأوروبي، أو ما يساوي أكثر من 225 مليار دولار! أي أن المستوى لا يزال مرتفعا.

والمصيبة أن الأموال المشار إليها تدخل في كل القطاعات، بما فيها تمويل المدارس والمكتبات وغيرها من المؤسسات التعليمية والثقافية.

فضلا بالطبع عن العقارات والاستثمارات في الخدمات وغير ذلك. ففي بريطانيا يتم غسل ما يزيد على 90 مليار جنيه استرليني سنويا! علما بأن الحكومات البريطانية المتعاقبة اتخذت إجراءات عملية للحد من تدفق هذه الأموال.


لا شك أن هذه المسألة ستظل حاضرة على الساحة العالمية لفترة طويلة. وكل شيء مرتبط بالتعاون الدولي الحقيقي والشفاف للقضاء على كل شكل من أشكال غسل الأموال.

إنشرها