default Author

السر في هدوء غرف العمليات

|

هل الجراحون مجرد سفاحين أم هم رحمة للعالمين، كان هذا اعتقاد الناس في القرن التاسع عشر، حين قال الجراح جون هنتر، الجراحة أبلغ الأمثلة للعمل المتقن، والجراحون مجموعة من السفاحين الهمجيين. بالرغم من عملهم المضني وخدماتهم الجليلة.

فبأيديهم ومهاراتهم ينقذون حياة ملايين البشر ويخففون آلامهم ومعاناتهم إما باستئصال أورام أو إصلاح كسور وإزالة جزء تالف من الجسم أو زراعة ما فقد!
لتتغير النظرة لهم فيما بعد بسبب اكتشاف عظيم يقف خلف تطور هذه المهارات وتنوعها وتقبل الناس لها، تخيل لو كانت كل هذه العمليات وأبسطها خلع ضرس دون تخدير أو قطع طرف تالف أو فتح بطن وأنت بكامل وعيك، ما كمية الألم التي ستعانيها أو يعانيها غيرك، وكيف هو حال الجراح وهو يقضي ساعات في جو مشحون وصراخ مريض يعاني آلاما مبرحة؟!


يكمن السر في التخدير، لقد حاول الأطباء على مر العصور تخفيف الألم المصاحب لإجراء العمليات الجراحية ابتداء من جالينيوس الذي استخدم الأفيون والبنج المغموس في القطن على المكان المراد إزالته كما استخدم بعضهم الخمور لتفقد المريض وعيه واستمر البحث إلى أن أتى شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام ١٨٤٤ حين خطرة الفكرة في رأس طبيب الأسنان بعد أن استمع إلى محاضرة أستاذ الكيمياء جاردر كولتون عن تأثير الغاز المضحك أكسيد النيتروس على الوعي ومن ثم تخفيف الألم، أصر طبيب الأسنان على مقابلة أستاذ الكيمياء ليعرض عليه فكرته وفي الغد كان الكيميائي وطبيب الأسنان وزميله يجتمعون ومعهم اسطوانة غاز النيتروس وقناع ألبسوه الطبيب جون رجز ليجربوا خلع ضرسه تحت تأثير الغاز، وفعلا وضعوا القناع وعند استنشاقه دخل الطبيب في عالم آخر وفقد وعيه، أجريت العملية ولم يشعر الطبيب بأي ألم وهنا أعلن الأربعة اكتشافهم العظيم.

وأجرى الطبيب "هوارس ولز" أربعة آلاف عملية أسنان باستخدام الغاز.


ولكن حين قرروا تجربته أمام الناس في أحد التجمعات العلمية، وبعد عملية خلع سن لأحد المرضى الموجودين أخذ بالصراخ واعتقد الحضور فشل التجربة وسخروا من الطبيب غير مدركين أن هذا الصراخ ليس من الألم بل نتيجة الهلوسة التي يسببها الغاز لبعض الأشخاص، وبالرغم من ذلك امتنع ولز تماما عن استخدام الغاز، ولكن تلميذه لم يستسلم وأصر على تجربة غاز آخر وهو غاز الإيثر على الحيوانات ثم جربه على البشر ليكون بعدها موجودا في كل غرف العمليات حول العالم.


ومنذ منتصف القرن التاسع عشر إلى اليوم أنقذت حياة ملايين البشر وخفت معاناتهم وساد الهدوء في غرف العمليات بسبب اكتشاف التخدير.

إنشرها