Author

سندات اليورو وثقة الأسواق العالمية

|

منهجية الدين السعودي لم تعد مبنية على أساس تمويل العجز، بل على أسس اقتصادية وأسس اقتصادية سياسية أيضا، هذا ما كشف عنه اتجاه السعودية إلى أن تصبح أول دولة خليجية تصدر سندات مقومة بعملة المنطقة الأوروبية اليورو، وذلك بإصدارين ضمن آجال تراوح بين 8 و20 عاما.

وإذا كانت معظم دول العالم تعمد إلى استخدام السندات من أجل تغطية عجز الإيرادات عن تمويل مصروفات المالية العامة، فإن المملكة تستهدف من خلال إصداراتها من السندات تعزيز مكانتها في هذه الأسواق، وتعزيز الثقة بالاقتصاد السعودي وقدرته على تلبية متطلبات خدمة الدين، وهذه الثقة المطلوبة لا يمكن بناؤها في وقت الأزمات والظروف الاقتصادية السيئة، ففي مثل تلك الظروف تكون تكلفة رأس المال عالية جدا، لكن عندما يتم تأسيس ثقة بالأسواق العالمية فإنه يمكن استثمار هذه الثقة من أجل تخفيض تكاليف أي إصدارات أخرى، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المملكة في الوقت الحالي وهي تعيش فترة ازدهار اقتصادي تجد من خلال مكتب الدين العام أن أسواق الدخل الثابت حاليا تمر بفترة الاقتراض منخفض التكلفة، لهذا فإن المملكة لديها فرصة مميزة من أجل اقتناص "فائدة ثابتة" (لا تتغير) وذلك على مدى 8 إلى 20 عاما، كما أن الإصدارات السابقة أثبتت أن مستثمري القارة الأوروبية يأتون في المرتبة الثانية "بعد مستثمري الولايات المتحدة" من ناحية استحواذهم على السندات السعودية، ولذلك فمن المهم استهداف تلك الفئة من المستثمرين بإصدار مقوم بعملتهم، وبهذا تحقق المملكة من خلال هذه الإصدارات مزايا عدة حيث تحصل على ثقة الأسواق العالمية، والمستثمرين والتدفقات القوية لرأس المال ثم دفع تكلفة منخفضة في مقابل ذلك.


لعله من المهم أيضا الإشارة إلى أن المملكة تستهدف فتح الأسواق أمام المستثمرين الأجانب، وهذا يعني تدفقات لرؤوس الأموال، وهذا التدفق يحتاج إلى قنوات مقبولة بالنسبة للمستثمرين، وإذا كان قد تم فتح السوق المالية للاستثمار الأجنبي المباشر في الأسهم فإن السندات تعد قناة استثمارية مهمة ومطلوبة، ولكن السوق السعودية ليست قادرة على استقبال جميع أنواع الإصدارات من الأوراق المالية، خاصة تلك المقومة بالعملات الأجنبية، هنا تجد مثل هذه التوجهات للمالية العامة رصيدها من الأهمية، فمن الصعب جدا على الشركات السعودية أن تحقق نجاحا كبيرا في الحصول على تمويل لمشاريعها حول العالم دون أن يكون لها رصيد قوي من القبول والثقة بسوق السندات الدولية، ولهذا فإن إصدارات المالية العامة وبهذا التنوع تفتح الأبواب كافة أمام الشركات السعودية، كي تحصل على تمويل لأي توسعات عالمية أو استحواذ ذي أهمية، فنجاح التجربة لإصدار مقوم باليورو يجعل من السهل على صناديق الاستثمار الحكومية والشركات السعودية أن تقوم بالأسلوب نفسه وأن تكرر التجربة والنجاح، ولهذا فإن المرور بتجربة الإصدارات بالعملات الأجنبية بخلاف الدولار يمنح الاقتصاد مرونة واسعة، من اللافت أن مكتب إدارة الدين العام في وزارة المالية عين كلا من "جولدمان ساكس" و"سوسيتيه جنرال" منسقين عالميين وحصل كل من "بي إن بي باريبا" و"مورجان ستانلي" و"سامبا كابيتال" على تفويض المرتبين الرئيسين ومديري الدفاتر، فهذه الخبرات المتراكمة ستؤهل الشركات السعودية إلى ولوج الأسواق المالية العالمية بسهولة، والاستفادة من زخم التمويل والأسعار المنخفضة للفائدة.

إنشرها