Author

إيران .. إهانة أوروبا للمرة الألف

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"الولايات المتحدة تمتلك لائحة بعشرات الأهداف المحتملة في إيران"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حريصا على توجيه إنذاره للنظام الحاكم في إيران، من على منبر قمة مجموعة العشرين. ومع ذلك ترك الأبواب مشرعة من أجل تجاوز الأزمة مع طهران. وهذه المبادرة يمكن اعتبارها الأخيرة من واشنطن التي منحت، كغيرها من عواصم صنع القرار، نظام علي خامنئي فرصا لا تحصى لكي يكون جزءا طبيعيا من المنظومة الدولية، وليحول بلاده إلى دولة حقيقية، لا مصدرا للإرهاب والخراب. وترمب الذي يعتبر الرئيس الأمريكي الأكثر تشددا مع هذا النظام، يقدم حتى الآن، الأدوات السياسية اللازمة لحل المشكلات، ما يجعله معذورا حقا إذا ما نفذ هجوما على نظام إرهابي يتحدى المنطقة والعالم. لكن يبدو واضحا، أن من يحكم إيران لا يسمع الجانب السلمي من الخطاب، ما يعزز القناعة المرة تلو الأخرى بأنه لا يفهم إلا بالقوة.
نظام طهران لم يسمع، ولا يبدو أنه سيسمع في المرحلة المقبلة، كل النصائح والدعوات لتجنيب بلاده ضربة عسكرية قاصمة، تضاف إلى ما يضربها من عقوبات شديدة، أوصلت البلاد إلى شبه الانهيار الاقتصادي. واصل إطلاق تصريحاته "العنترية" التي يعرف العالم أنها بلا قيمة، حتى إنها لم تعد "منذ سنوات عديدة" صالحة للاستهلاك المحلي. هذه التصريحات التي ستكلفه كثيرا إذا ما استمر في إطلاقها، ورفض كل النصائح، ليس من واشنطن فقط، بل من الجهات الدولية التي لا تزال تعتقد بإمكان إعادة تأهيل نظام حول بلدا بأكملها إلى دولة إرهاب شاملة. فإلى جانب عدد بسيط من الأنظمة المارقة هنا وهناك تدعم جنون علي خامنئي، يبقى تحرك الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه هو الأهم.
لكن المصيبة أن طهران لا تكتفي فقط بتجاهل التحرك الأوروبي البائس اليائس، بل تكيل الاتهامات على جميع الدول الأوروبية بأنها لم تفعل شيئا أمام التوجه الأمريكي الواضح. اتهامات وصلت إلى حد الإهانة في كثير من الأحيان، على شاكلة "أوروبا بلا قيمة حقيقية"، أو "الاتحاد الأوروبي يتبجح بالكلام" أو "لسنا حرصاء على علاقات جيدة مع أوروبا". هذه الإهانات وغيرها تصاحبها تهديدات سيحاسب عليها النظام الإيراني لاحقا، بتقليص التزامات إيران النووية إلى الحد الأدنى. بل بلغ جنون علي خامنئي حدا أن هدد اعتبارا من الثامن من هذا الشهر برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية. ما يعني أن كل ما يقدم لهذا النظام من نصائح ومواقف إيجابية يصب في مصلحة بلاده، ضربها بصورة عبثية.
لم تتعاون أوروبا في قضية دولية كما تتعاون في المسألة الإيرانية الراهنة، حتى إن مؤسسات أوروبية تشريعية وسياسية، لم تتوقف عن توجيه الانتقادات للسلطات التنفيذية في الاتحاد الأوروبي لهذا السبب. بلغ التعاون الأوروبي مستوى إنشاء آلية مالية مع النظام الإيراني للاحتيال على العقوبات الأمريكية الراهنة. وبصرف النظر عن فشل هذه الآلية حتى الآن، إلا أنها بلا شك خطوة جريئة في مواجهة واشنطن. الحكومات الأوروبية لم تترك مناسبة إلا وشجعت فيها مؤسساتها وشركاتها للعمل في إيران، وهذه الحكومات لا تزال متمسكة بقوة باتفاق نووي هش، بل اتفاق مختل حرصا منها على حماية النظام الإيراني. لم تهتم حتى بدعوات المؤسسات الإنسانية بضرورة التوقف عن توجهاتها هذه، لأن نظام خامنئي يتصدر قائمة أسوأ الأنظمة في حقوق الإنسان.
وفي أعقاب الدفعة الأخيرة للعقوبات الأمريكية على إيران، أسرع كل من فرنسا وبريطانيا بإرسال مسؤولين إلى طهران من أجل احتواء الأزمة قدر المستطاع. الذي حدث أن عاد هؤلاء المسؤولون إلى بلادهم وهم يقرأون مواقف إيران الرسمية المضادة لهم. حتى على ساحة قمة مجموعة العشرين التي عقدت في اليابان، حاول الأوروبيون منع تدهور الأوضاع بالنسبة للشأن الإيراني. وهذا ليس غريبا، لأن الاتحاد الأوروبي أثبت منذ زمن، أنه ينفذ استراتيجية سياسية بائسة، وأنه لم يحفل حتى بالاتهامات الباطلة التي يتلقاها من النظام الإيراني، إلى حد يمكن اعتبار الاتحاد، أنه يعيش حالة "انفصام الشخصية"، أو كالذين لا ييأسون من صناعة المستحيل. فتحويل موقف نظام طهران عملية مستحيلة، بصرف النظر عن التحليلات الأوروبية الرسمية التي باتت مثارا للسخرية على الساحة الأوروبية نفسها.
يبدو أن أوروبا اعتادت على الإهانة القادمة من إيران. ولا توجد إشارة واحدة تدل على أنها قد تغير مفهومها للأزمة الراهنة مع نظام خامنئي. وهي، أي أوروبا، لن تستطيع منع أي تحرك أمريكي في النهاية لمعاقبة هذا النظام عسكريا، خصوصا بعد ثبوت تورطه في الأعمال العدوانية الأخيرة التي استهدفت ناقلات تجارية في الخليج العربي، فضلا عن إسقاطه الطائرة الأمريكية المسيّرة. والأهم من هذا وذاك، تحديه الصارخ عبر تهديداته برفع مستوى التخصيب النووي. إنه نظام يواصل الحفر لبناء قبر يليق به.

إنشرها