Author

لا تستح

|

في الأسبوع الماضي، وضعت في حسابي بـ"تويتر" هذا السؤال: ما الشيء الذي تفتقده رغم أنك لم تمتلكه يوما؟ كانت الإجابات متنوعة ومختلفة، فمنهم من قال أفتقد السكن الخاص بي، وآخر قال أفتقد وجود الأطفال في حياتي، وآخر قال أفتقد السفر للخارج.. إلخ.
مثل هذه الأسئلة تلقي الضوء على الاتجاهات المجتمعية، خصوصا ما يتعلق منها بالأسرة، ونمط التفكير المتغير بشكل متسارع. مضى يومان على سؤالي هذا، وحين دخلت بريدي الخاص "بتويتر" وجدت رسالة من شاب يطلب مني بإصرار نشر رسالته مع عدم الإشارة لحسابه واسمه رغم أن حسابه واسمه غير صريحين، وإنما مستعاران، يقول في رسالته: "الشيء اللي أفتقده هو حضن أبوي، رغم أنه ولا مرة في حياتي قام باحتضاني، أمنيتي منذ صغري أن يحتضني وأشعر بدفء وجودي بحضنه، لما كنت صغيرا كنت أفتقد هالشيء، كنت أحس بانكسار وأنا أشوف عمي يحضن عياله، أبوي ما يقصر معنا لكنه جاف المشاعر لا يعبر لنا ولا نعبر له عن مشاعرنا، أتمنى أقول له إني أفتقد حضنه لكني فعلا أستحي إني أقول له".
أغلقت رسالته، وقبل أن أخرج من الخاص لفت نظري وجود رسالة أخرى شعرت بشيء ما يدفعني لقراءتها، وكانت من شاب يقول فيها: "أسمح لك بنشر رسالتي لكن من دون ذكر حسابي، أفتقد أختي- الله يرحمها- وهي أكبر مني بعشر سنوات، عشت معها، وكانت تراعيني وتحبني، وصار ظرف وصرنا عايشين عن بعض ولما اقتربنا من بعض ماتت بيوم تاريخ ميلادها، ومن عشر سنوات، وأنا أتوجع عليها، وأستحي أقول أني فعلا أحبها وأفتقدها".
هاتان الرسالتان جعلتاني أتساءل بحرقة، "ليش نستحي" من الاعتراف لأقرب الناس إلينا بمحبتنا لهم؟ ولماذا تموت كثير من المشاعر الجميلة قبل أن نبوح بها لمن نحبهم؟ ولماذا نصنع ألف عذر وعذر حتى نمنع أنفسنا من التعبير عن تلك الأحاسيس الصادقة؟ ولماذا نشعر بالندم حين يختطف منا الموت من نحبهم قبل أن نخبرهم، كم أحببناهم، وكم عشقنا وجودهم في حياتنا؟.. لكل أولئك المترددون بين خوف من إظهار المشاعر وتخوف من ردة فعل الطرف المقابل أقول لهم: أرجوكم (لا تستحون) واكفروا بمقولة: "الله لا يبين غلاك" فما فائدة أن يتبين غلا من نحبه بعد رحيله؟ دعوه يشعر بأنه غال عليكم، وهو حي يرزق، أخبروا أحبتكم بمشاعركم الجميلة نحوهم قبل أن يحول بينكم وبينهم برزخ يفقدكم كل أمل برؤيتهم مرة أخرى.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها