default Author

القط البحار

|

لا يكاد يخلو منها بيت إما برغبتك أو مجبرا، فقد تحتل فناء منزلك أو يجبرك أطفالك على اقتنائها وقد تصرف على مسكنها وغذائها أكثر من طفل رضيع!!
ووجود القطط مع البشر ومعايشتها لهم أمر قديم جدا فقد بدأ ترويض القطط المنزلية منذ أكثر من 1000 عام في منطقة الهلال الخصيب في بداية العصر الحجري الحديث. فمحاولة الناس إخضاع الطبيعة لإرادتهم وجعلها تتناسب مع طريقة عيشهم بعدة طرق منها إنتاجهم الوفير للغذاء أكثر من استهلاكهم لتخزينه واستخدامه في ظروف الطقس القاسية. خزن مزارعو العصر الحجري الحبوب الفائضة في حفر كبيرة وصوامع طينية صغيرة، ما أدى إلى جذب أعداد هائلة من القوارض أغرت كثيرا من الحيوانات المفترسة للحاق بها، ومنها القط البري المعروف بـ"فيليس سيلفستريس ليبيكا".
كانت تلك القطط متوحشة ومنعزلة لا تحب البشر ولا الحيوانات الأخرى، ولكن وفرة الغذاء في تلك المنطقة جعلتها تعتاد وجود البشر وتتحمل غيرها من الحيوانات، كما اعتاد عليها البشر ونشأت بينهم علاقة نفعية متبادلة فوجودهم مقابل القضاء على القوارض والآفات!!
الغريب والمدهش في الوقت نفسه أن القطط الموجودة اليوم تشبه القطط المستأنسة قديما في الشكل والحجم والجينات نفسها، عكس باقي الحيوانات المستأنسة مع بعض الاختلافات البسيطة، حيث كانت عضلات القط البري أكثر وأقوى لحاجتها للقوة والشراسة لمهاجمة فريستها!
هذه العلاقة الوطيدة سمحت للقطط أن ترافق مزارعي العصر الحجري وتهاجر معهم من الأناضول إلى أوروبا والبحر المتوسط. فقد كانت القوارض والهوام من أكثر الأشياء التي تضر البحارة وتقضي على مؤنهم وتقرض الحبال وخشب السفن، وقد تتسبب في غرقهم، لذا لم يكن لهم غنى عن رفقة القطط!!
وخلال الوقت نفسه، الذي بدأت فيه القطط بالإبحار، استأنس المصريون القدامى القطط المحلية لديهم تقديرا لقضائهم على الأفاعي السامة وملاحقة الطيور وقتل الجرذان، وأصبحت القطط المستأنسة أمرا مهما في الثقافة الدينية المصرية. لدرجة أنهم خلدوها في جدارياتهم وصنعت لهم التماثيل ووجدت في حروفهم وكتاباتهم الهيروغليفية، كما حنطت ودفنت مع أصحابها في مقابرهم، بل اتخذوا منها آلهة لشدة تقديسهم لها، وبنوا لها مدينة في جنوب شرق مدينة الزقازيق المصرية تدعى بوباستيس اكتشفت عام 1843 مبنية من الجرانيت الأحمر يوجد بها معبد مميز، وكانت أرضا لإقامة الاحتفالات والطقوس المقدسة!!
كانت القطط من أفضل البحارة، رافقت البشر في رحلاتهم عبر الأنهار والبحار من ميناء لآخر، وجابت العالم شرقا وغربا شمالا وجنوبا، لذا تنحدر معظم القطط المنزلية اليوم من سلالة "فيليس سيلفيستريس أورناتا".

إنشرها