Author

أفكار حول طرح «تحكم»

|
مستشار اقتصادي


‎تحدثت الأخبار عن مسعى لطرح شركة "تحكم" للعامة، فهي شركة تدير نظام ساهر الذي مصدر دخله الأساس الغرامات المرورية. حسب تقديرات نشرت أن هناك نحو 38 مليون غرامة مرورية متنوعة في 2018 في المملكة، وعوائد الغرامات وصلت إلى 15 مليارا للعام نفسه. ليس لدي معلومات مؤكدة عن الإحصائيات والأرقام ولكن لدي ملاحظات على فكرة الطرح مقدرا النزعة الصحيحة " للمشاركة" وتوسيع السوق بطرح شركات في قطاع جديد. موقع الشركة لا ينشر أرقاما أو معلومات مالية ولذلك لابد من التعويل على ما ينشر من مصادر عامة قد تكون غير موثقة أو دقيقة. على أي حال ملاحظاتي عامة ونوعية وليست مالية. كذلك لابد من القول إن الملاحظات مبنية على أن مصدر العوائد الأساس هو الغرامات المالية إذ إن موقع الشركة يذكر نشاطات أخرى دون أي تفاصيل عن طبيعتها.
هناك عدة ملاحظات بعضها اقتصادي وبعضها مالي والبعض الآخر معنوي، لذلك لابد من تكييف موضوعي للطرح بغض النظر عن حيثياته المالية. أعتقد أن المنطق الاقتصادي ليس مناسبا؛ لأن الهدف الأساس عادة من الطرح هو تمويل الاستثمارات لمزيد من النمو في قطاعات الشركة وليس مزيدا من الغرامات المالية. الطرح تعبير عن حالة تخارج للقطاع العام وبيعها للعامة وخاصة القادرين ماليا، ولكن المنطق المالي في تعارض مع المنطق الاقتصادي. يصعب أن تجد منطقا اقتصاديا لشركة تقوم على أعمال تنظيمية وتأديبية فهي أقرب لأعمال الأمن والشرطة، وهذه غالبا من مسؤولية القطاع العام إذ إن المصلحة العميقة للعامة وليست للمحافظ الاستثمارية. يصعب أن تجد منطقا يجد فيه المستثمر مصلحة من مخالفات مواطنين لأنظمة السير والسلامة. من ناحية أخرى اقتصادية تتعرض الغرامات لتغيير في الأنظمة والوعي، وبالتالي أي تغيير في الأنظمة أو الوعي سيؤثر في مستوى الغرامات من قبل المشرع، لذلك هناك صراع بين مصالح الملاك والمصلحة العامة.
‎ هناك ناحية معنوية لا تقل أهمية، فالغرامة إجراء وقائي ورادع وليس مصدر دخل في الجوهر، ومن ناحية أخرى يصعب الدفاع عن المصلحة من عقاب البعض من العامة الذين أغلبهم من ذوي الدخل المحدود ليستفيد ملاك الأسهم الذين أغلبيتهم من ذوي الدخل الأعلى عادة. الخلط بين المنطق المالي والمعنوي سيضعف كليهما. لذلك أجد أن الملكية العامة أكثر استحقاق معنويا واقتصاديا.
‎ المنطق الاقتصادي يقود للمصلحة العامة التعاونية التي تضيف قيمة، بينما المصلحة المالية تقود للكسب، في الغالب ليس هناك تعارض ولكن قد يحدث أحيانا، أجد أن طرح " الغرامات المرورية" يتضمن تعارضا غير مقبول. يبدو لي أن التفكير في الطرح تعبير عن حالة تفاعل مع توجهات مالية أغلبها سطحي، دون تفكير في التبعات الاقتصادية والمعنوية، وخلط بين ما قد يكون مفهوما ماليا دون التفكير في المرجعيات الاقتصادية والمعنوية وحتى الأخلاقية. مرة أخرى ليس هناك معلومات وافية، لذلك هذا الطرح قابل للمراجعة إذا توافرت معلومات مختلفة، فمثلا لو عرفنا أن الغرامات تشكل جزءا يسيرا من عوائد الشركة لوجدنا منطقا للطرح. يبدو لي أن الافضل توظيف العوائد لتحسين المرور والطرق وإجراءات السلامة لخدمة العامة وليس لمستثمرين على حساب العامة.

إنشرها