Author

منصة عالمية للاستثمار وتطوير الطاقة

|


عندما انطلقت الثورة الصناعية الأولى كانت الطاقة البخارية هي المحرك الأساس، ثم توالت الاكتشافات، ومع كل اكتشاف جديد للطاقة تتغير معالم الإنسانية والحضارة وسلوك البشر، ولذلك ستظل اكتشافات الطاقة هي الموجه الأساس للحضارة الإنسانية وتحولاتها على هذا الكوكب، أو حتى في الفضاء، وأي حديث عن الثورة الصناعية الرابعة إذا لم يكن مرتبطا بثورات في اكتشاف الطاقة فإنه حديث مبتور، والعمل الجاد والحقيقي يكون في تسريع عمليات تطوير اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، أو على الأقل تطوير إنتاج المصادر الحالية وآليات المحافظة عليها. وإذا قلنا إن الثورة الصناعية بكل تحولاتها مرتبطة باكتشاف الطاقة فإن المحافظة على نتائج هذه الثورات الصناعية مرتبطة بالمحافظة على محركاتها من الطاقة، وعليه فإن ضعف أو تراجع أو نضوب هذه المحركات يعني تراجعا مخيفا في الثورة الصناعية ومنتجاتها، وبالتالي تراجعا في مستويات الحضارة الإنسانية، وقد يعني ذلك تراجعا خطيرا في سلوك البشر وأخلاقهم وبالتالي الحروب والصراع المميت. وهكذا يجب أن تعمل البشرية كوحدة واحدة للمحافظة على مستويات الطاقة المتاحة الآن، وأن تعمل أيضا في الوقت نفسه على اكتشاف مصادر جديدة وتحولات وثورات في هذا المجال، ولن يحدث تقدم أساسي في هذا الاتجاه ما لم تكن هناك منصة للحوار، وهذا ما أكده وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وضرورة العمل على تأسيس منصة عالمية للاستثمار في مجال بحث وتطوير الطاقة.
من اللافت للانتباه أن تأتي هذه الدعوات من السعودية، وهي التي قد يهمها - من وجهة نظر اقتصادية بحتة - اتساع دائرة إنتاج الطاقة بأنواعها كافة، أو حدوث اكتشافات جوهرية في مكامن النفط خارج حدود الاقتصاد السعودي، ما يعني إنتاجا واسعا يقود الأسعار إلى مستويات غير اقتصادية. لكن المسألة في المملكة ليست وجهة نظر اقتصادية بحتة بل هي امتداد للدور السعودي في أمن الطاقة وإمداداتها، وأمن الحضارة الإنسانية، ورعاية مسؤولية عمارة الأرض طاعة للخالق جل وعلا. كما أن المملكة تعمل بجهد وجد على تنوع الاقتصاد السعودي خارج إطار النفط، وهذا يتطلب عملا جبارا في تنمية منتجات جديدة للطاقة. وهناك رؤية اقتصادية للمملكة وهي أن تظل بطارية العالم في المستقبل كما هي اليوم مهما تنوعت مصادر إنتاج الطاقة، ولهذا تعمل المملكة وتدعو وتدعم جميع الجهود لتصبح رائدة للابتكار في مجال الطاقة.
ليس هذا فحسب بل إن وجود مثل هذه المنصة العالمية للحوار والاستثمار في الطاقة وتنميتها يسهم في استقرار أسواق النفط، والمملكة يهمها ذلك بشكل أساسي اليوم وغدا كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، وتعزز الحصول عليه بأسعار عالمية مناسبة، فأي إضرار في مستويات الأسعار بالارتفاع نظرا لشح الإمدادات وقلة الاكتشافات سيقود إلى ارتفاع أسعار المنتجات كافة كون الطاقة أساس الإنتاج، وبالتالي يدخل العالم في موجة من الاضطرابات تقود في النهاية إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وضعف الإنتاج ثم الطلب على الطاقة، وهكذا في موجة ارتداد غير معلومة النتائج. وإذا كانت تجربة المملكة في حوكمة قطاع الإنتاج النفطي من حيث تم تشكيل مجموعة "أوبك +" فإن قطاع الاستثمار لا يزال بحاجة إلى عمل مماثل.

إنشرها