Author

دلالات تزايد الاستثمار الأجنبي في السعودية

|

لا شيء يبعث على الاطمئنان في التخطيط الاستراتيجي من أن تسهم القرارات وتحقيق الأهداف الفرعية، في تحقق الأهداف الاستراتيجية الرئيسة، ذلك لأن الأعمال التنفيذية لتحقيق الخطط تغمس تماما في العمل الفرعي، كطائرة تسير وسط الغيوم معتمدة على الوصول إلى نقاط السير وهي تأمل أن تقودها هذه النقاط مجتمعة إلى محطة الوصول. وخلال هذه الرحلة للمنظمات بين أهدافها الفرعية والأهداف الرئيسة تأتي المخاطر وتتحقق النتائج سواء كانت جيدة وفي المصلحة العامة، أو مجرد قصص إعلامية لم تحقق ما يصبو إليه المجتمع. في هذا الإطار تأتي قراءة ما نشرته وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" والمستند إلى بيانات شركة السوق المالية السعودية "تداول" بشأن ارتفاع حصة المستثمرين الأجانب في السوق السعودية منذ بداية 2019 حتى الأسبوع المنتهي في 13 حزيران (يونيو) الجاري إلى أعلى مستوياتها تاريخيا عند 6.87 في المائة بقيمة 145.2 مليار ريال، فيما بلغت القيمة السوقية للأسهم المحلية 2.12 تريليون ريال في التاريخ ذاته.
تأتي النقطة التي أشرنا إليها من جانب تلك الجهود الضخمة التي بذلتها هيئة السوق المالية بشأن ترقية السوق المالية السعودية في مؤشرات عالمية مثل مؤشر "فوتسي" و"ستاندرد آند بورز" و"مورجان ستانلي"، لقد تتطلب ذلك كثيرا من العمل من حيث زيادة عمق السوق وتنوع المنافذ الاستثمارية، ودخول أدوات مختلفة مثل الصكوك والسندات. هذه الإنجازات المرحلية المهمة للوصول إلى هدف المؤشرات العالمية تطلبت كثيرا من العمل والتشريعات الجديدة، كما صاحبتها جهود مماثلة قام بها مكتب الدين العام في وزارة المالية الذي أصدر أنواعا مختلفة من الصكوك والسندات رفعت قيمة الصكوك المتداولة في السوق من 16 مليارا إلى أكثر من 260 مليارا، كما صدر في الأيام القليلة الماضية تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية من مليون ريال إلى ألف ريال وذلك لتسهيل دخول المستثمر الفرد في هذه التداولات، وهذا تطلب من السوق المالية كثيرا من التعديلات التنظيمية. كل هذه الجهود التكاملية بين الجهات حققت الهدف الأولي وهو الانضمام إلى المؤشرات العالمية، وهناك جهود أخرى ما زالت في مراحل العمل، ومن ذلك ما أعلنته شركة السوق المالية السعودية "تداول" أنه سيتم تعديل فترة مزاد الإغلاق بالتزامن مع بدء تنفيذ المرحلة الثالثة من المراحل الخمس للانضمام إلى مؤشر الأسواق الناشئة "فوتسي راسل". كل هذا العمل الجبار يأتي أساسا من أجل توسيع قاعدة المستثمرين كهدف استراتيجي للهيئة، وبدأت مبشرات تحقيق هذا الهدف واضحة تماما مع ارتفاع نسبة حصة الأجانب في السوق المالية وتسجيل مشتريات صافية في الأسهم السعودية في آخر 22 أسبوعا متتالية "نحو خمسة أشهر"، بقيمة إجمالية 40.54 مليار ريال، وهذا يعني أن السوق المالية السعودية والاقتصاد ككل يتمتعان اليوم بمزايا نسبية هائلة، وسيكون لهذا التدفق الضخم من الأموال على السوق كثير من الإيجابيات من بينها فرص التمويل الواسعة أمام الشركات للتوسع، وإصدار السندات، والأدوات الأخرى. وبهذا نجد أن العمل المخطط جيدا والمثمر في مراحله المختلفة ينتهي بتحقيق الأهداف الاستراتيجية كافة سواء للمنظمة نفسها أو حتى على مستوى الاقتصاد الكلي.

إنشرها