Author

ما المهم: أن تعمل أم ماذا تعمل؟ "5"

|

في حين أن من الأهمية بمكان تهيئة المواطنين والمواطنات لشغل وظائف قيمة، توفر مسارا وظيفيا مهنيا، وبالتالي أجرا يسهم في إقامة حياة مستقرة ذات جودة للموظف ولمن يعول، إلا أنه من غير المبرر تسقيط شريحة من الوظائف على أنها هامشية أو غير ذات قيمة؛ ففي نهاية المطاف أي وظيفة يحتاج إليها المجتمع هي وظيفة محترمة، أو ينبغي للمجتمع أن يتعامل معها على ذاك الأساس؛ فشوارعنا إن لم تنظف ستصبح قذرة، فهل نقبل أن تكون شوارعنا قذرة؟ وهل من ينظف شوارعنا يقوم بعمل هامشي؟ أدرك أن هناك من لا يريد القبول بهذا المنطق، وهو المنطق ذاته الذي صنع لعديدين توقعات تفوق مؤهلاتهم، في حين أن سوق العمل كأي سوق تمنح سعرا للسلعة المعروضة، وفي سوق العمل فالسعر هو الأجر، والسلعة هي وقت الشخص يريد أن يعمل. وما يرفع السعر أو يخفضه هو الطلب على ما يملكه الشخص من قدرات ومهارات وخبرات. وهكذا، فالسوق لن تمنح شخصا أجرا بناء على تطلعاته، بل على قدراته ومهاراته. ومن حق من يملك مهارات ومؤهلات وخبرات أن يفاوض ليحصل على الأجر الذي يوازيها، والأمر ليس كذلك لمن لا يملك مهارات وخبرات. ولعل من المهم إدراك أن الأمر فيما يتصل بالأجر مقابل المهارة والخبرة يخضع للعرض والطلب، فكلما ارتفع مستوى المهارة والمؤهلات والخبرة، قل المعروض منها، وبالتالي ارتفع الأجر المعروض لاستقطاب أصحاب تلك المهارات والمؤهلات والخبرات العالية، والعكس بالعكس.
إذن، من لا يملك مهارات تميزه في سوق العمل لترفع أجره، عليه أن يقبل بالمتاح، ويسعى إلى تحسين قيمة أجرته في السوق من خلال بناء المؤهلات واكتساب المهارات ومراكمة الخبرات. عندها فقط ستتحسن قدرته التفاوضية للحصول على أجر أعلى وشروط عمل أفضل، لا أن يتعالى على الوظائف، التي ليس فيها عيب شرعي، وهو عاطل عن العمل. بعبارة أخرى، ينبغي ألا نعيب في الوظائف، وإن كان طموح أي منا عاليا فليسع إلى تحقيق ذلك الطموح بالجد والاجتهاد والتحصيل. والتحصيل هنا لا يقتصر على مقاعد الدرس فقط، بل بعناصر ذكرت بعضها آنفا، وأضيف إليها عدم الترفع عن أي عمل شريف، وعند القبول على عمل عدم النظر إلى القشور والمظهريات، بل التركيز على اكتساب المهارة والخبرة. وهذا الأمر أساسي للمبتدئين في سوق العمل. إذ ليس في وسع المبتدئ وضع شروط، فالوقت لم يحن لذلك بعد... يتبع.

إنشرها