Author

الحكم بين الشعراء

|


يصعب على الواحد أن يتمالك نفسه من إبداء تعبير ما، لكنني لا أعلم ما هو التعبير المناسب حيال قرار المحكمة الجزائية الاستعانة بشاعر لفك طلاسم قصيدة حدث بسببها خصام بين شاعرين. الواقع أن الاستغراب أقرب التعابير لمثل هذا الأمر، ظننت في بادئ الأمر أن الألفاظ التي يطلقها أي شاعر مرتبطة بالمتلقي أكثر من أي شخص آخر. فالشعراء يبحثون عن إمتاع أو إغراء أو تحويل آراء المتلقي كأمر له أهمية قبل غيره من أغراض الشعر.
هنا يتضح من نظريتي المتواضعة أن أهم ما يهتم به الشاعر هم المتابعون أو يستمعون إليه أو يجتمعون عليه، أما أن تكون القصيدة "ملغمة" بالألغاز والأحاجي التي لن يفك طلاسمهما سوى شاعر آخر فتلك جديدة علي شخصيا.
الشاعر الذي اختاره النادي الأدبي لفك طلاسم قصيدتي الشاعرين "المتخاصمين" اللذين أرسل كل واحد منهما مجموعة من التهم والألغاز الغريبة على المحكمة عبر قصيدة أثارت سخط صاحبه، فشكاه للقاضي واستدعى تدخل النيابة العامة لرفع دعوى على كل منهما هو بمنزلة المحلفين في القضايا وهذا يتطلب مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي قد لا تكون المحكمة فكرت فيها.
من ضمن الاحترازات إبقاء الشاعر "المفسر" بعيدا عن تأثير أي من الخصمين، سواء بالاتصال الهاتفي أو اللقاء الشخصي أو حتى عن طريق وسائل التواصل التي لا تعد ولا تحصى. هذا يعني قطع اتصالات الشاعر "المفسر" بكل من له علاقة بالقضية، وهو أمر لا أظنه سيعجب الحكم، لكنه ضرورة لضمان التفسير الصائب لما ورد في القصائد.
يضمن فصل الحكم عن المتخاصمين – كذلك – تسريع تقديم التقرير المطلوب من قبل المحكمة، فكلما كان الشاعر الحكم متفرغا، ومعزولا عن العالم، ستكون عنده القدرة على تنفيذ الالتزامات المطلوبة منه في الوقت المناسب.
الغريب في هذه القضية أنها أتت بسابقة لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يعممها على المحاكم بحيث يصبح هناك تفسير لغوي وتفسير لما خلف الكلمات، وهذا هو مكمن الخطر. يختلف الناس في فهمهم وتقديرهم ولفظهم لمختلف المشاعر والآراء التي يحسونها ويرغبون في نقلها للخارج، وهذا يعني أن الحكم القادم سيكون فيه من أثر شخصية الحكم أكثر مما فيه من شخصيتي المتحاكمين. لهذا كان النقاد على طول السنين الماضية غير متفقين على تفسير مقصود الشاعر أو الكاتب مما يظهر على شكل كلمات من قبله.
أسأل الله العون للشاعر المفسر، والمحكمة التي ستبني حكمها على تفسيره الذي قد يكون بعيدا عن مقصود الخصمين... والله أعلم.

إنشرها