default Author

«البلاستيك» مستقبل العملات النقدية

|


عندما توقع الدول على اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وتسعى جاهدة إلى أن تصبح أكثر قدرة على الاستمرار، ينظر كثير من هذه الدول إلى أثر عملاتها في البيئة ومدة بقاء هذه العملات في حالة جيدة، وكذلك وسائل حمايتها وأمنها.
وعلى مر السنين، تمت صناعة النقود من مجموعة متنوعة من المواد - الثمينة، والورق القطني، وأخيرا "البلاستيك". وتعكس هذه المواد المناخ الاجتماعي والسياسي السائد في ذلك الوقت، فضلا عن التكنولوجيا والموارد المتاحة. ولعدة قرون، استخدم الناس في الصين النقود المعدنية الثمينة المربوطة معا من خلال ثقب في منتصفها لإجراء المعاملات، لكن مع زيادة المعاملات التجارية في القرن السابع، كان هناك تحول نحو العملات الورقية لسهولة حملها. وفي القرن الـ13 قدم ماركو بولو من رحلاته تقريرا إلى أوروبا حول استخدام العملات الورقية بدلا من العملات المعدنية، وصدرت أولى العملات الورقية الحديثة في أوروبا عن بنك ستوكهولم عام 1661.
وسرعان ما أصبحت العملات الورقية، العملات المفضلة في أنحاء العالم، وظلت كذلك عدة قرون، لكن مع التطورات التكنولوجية الحديثة، أصبحت أوراق النقد ذات الغشاء "البلاستيكي"، توفر مزايا أمنية إضافية إلى جانب طول العمر وكفاءة استخدام الطاقة.
تم إصدار أوراق النقد المصنوعة من مادة "البوليمر" لأول مرة عام 1988 في أستراليا، التي تستخدم الآن "البوليمر" بشكل حصري، وطرحت سلسلة جديدة من أوراق النقد، بدءا من فئة خمسة دولارات في أيلول (سبتمبر) 2016.
ويستخدم "البوليمر" الآن في أكثر من 20 دولة مختلفة، مثل أستراليا وكندا وفيجي وموريشيوس ونيوزيلندا وبابوا غينيا الجديدة ورومانيا وفيتنام.
وبدأ البنك المركزي الكندي تحوله إلى أوراق النقد المصنوعة من "البوليمر" عام 2011، بعد تقييم أثر إنتاج النقود الورقية و"البلاستيكية" في البيئة. واستعرض تقييم دورة الحياة الأثر الناشئ - بما في ذلك الاحتياجات الأساسية من الطاقة واحتمالات الاحترار العالمي - عن كل مرحلة من مراحل الإنتاج، بدءا من زراعة القطن إلى إنتاج أوراق البنكنوت أو إنتاج المادة الخام اللازمة لنقود "البوليمر"، مرورا بتدمير أوراق النقد البالية والتخلص منها.
وتفوق "البوليمر" على الورق في جميع الفئات والمراحل. على سبيل المثال، توصلت دراسة إلى أن ورقة النقد المصنوعة من "البوليمر" ستؤدي إلى انخفاض احتمالات الاحترار العالمي بنسبة 32 في المائة وانخفاض الاحتياجات الأساسية من الطاقة بنسبة 30 في المائة مقارنة بالنقود الورقية. والأهم من ذلك، أن عمر النقود المصنوعة من "البوليمر" يزيد على ضعف عمر النقود الورقية - كما أن الفئات الأعلى، التي تكون استعمالاتها أقل، يكون عمرها أطول من ذلك. وهذا يعني أنه يتعين صناعة وتوزيع كمية أقل من نقود "البوليمر" خلال دورة حياة السلسلة.
ونظرا إلى أن وزن نقود "البوليمر" أقل مقارنة بالنقود الورقية، يكون حملها وتوزيعها أسهل على البيئة.
وفي نهاية دورة حياة النقود الورقية، يتم عادة تمزيقها ونقلها إلى موقع دفن النفايات. أما أوراق "البوليمر" التي تسحب من التداول، فيتم تمزيقها وتحويلها إلى حبيبات واستخدامها في صناعة المواد "البلاستيكية" اليومية، مثل أثاث الحدائق.
وأمضى بنك إنجلترا المركزي ثلاث سنوات في دراسة التأثير المحتمل للتحول من استخدام النقود الورقية المصنوعة من القطن والكتان، وخلص أيضا إلى أن "البلاستيك" البديل المناسب. وتم طرح ورقة "بوليمر" من فئة خمسة جنيهات استرلينية حملت صورة ونستون تشرشل في أيلول (سبتمبر) 2016، تبع ذلك طرح ورقة من فئة عشرة جنيهات استرلينية حملت صورة جين أوستن في أواخر عام 2017 وطرح ورقة من فئة 20 جنيها استرلينيا بحلول عام 2020.
وعند الإعلان عن هذه الخطوة من جانب المملكة المتحدة، قال مارك كارني محافظ بنك إنجلترا المركزي: "تتمتع أوراق البوليمر بجودة أعلى، وهي مزودة بوسائل حماية إضافية ضد التزييف، ويمكن إنتاجها بتكلفة أقل على دافعي الضرائب والبيئة".
هناك ردود أفعال متباينة من جانب المستخدمين العاديين تجاه الملمس "البلاستيكي" لأوراق النقد، حيث قال زوي مارتن، الذي يعمل مدرسا في تورونتو في كندا: "تلتصق هذه الأوراق ببعضها بعضا بسبب الطاقة الساكنة، ولا يمكن طيها بسهولة مثل النقود الورقية عندما تكون جديدة، كما أنها ملساء، وبالتالي تنزلق بسهولة من الجيب". أما مايكل برينزا، وهو مدرس في مركز للرعاية النهارية في تورونتو، فيقول: "أنا أفضل هذه الأوراق؛ فهي أنظف بكثير جدا".
والنقود الورقية أصبحت مكسوة بالقاذورات. يقول بيتر سيسل سينوت، وهو خريج علوم البيانات في جامعة ماكجيل في مونتريـال: "نظرا إلى أنها غير منفذة للسوائل، فإن ابتلالها لن يكون مكلفا. وإليكم قصة حقيقية: في إحدى المرات وجدت أختي إحدى الأوراق النقدية الكندية الجديدة من فئة 100 دولار أثناء الغوص في المناطق المدارية. ومن يدري كم من الوقت استقرت في هذه الشعاب المرجانية؟". وكما قال ماكجواير في نصيحته إلى بنجامين في فيلم الخريج: "البلاستيك هو المستقبل سواء شاء الناس أم أبوا".

إنشرها