FINANCIAL TIMES

ماريو دراجي يسعى إلى تشكيل مرحلة ما بعد ولايته

ماريو دراجي يسعى إلى تشكيل مرحلة ما بعد ولايته

خلال السنوات الثماني التي قضاها رئيسا للبنك المركزي الأوروبي، لطالما كان ماريو دراجي مستعدا للعيش وفقا لأشهر مقولاته وفعل "كل ما يتطلبه الأمر" لدعم اقتصاد منطقة اليورو.
سواء اتفق مع ذلك النهج أم لا، سيتعين على من سيخلفه الآن أن يتحمل كثيرا من نهج دراجي بعد تنحيه عن المنصب في الخريف. لم يقتصر الأمر على نجاحه في إجبار خليفته على إبقاء أسعار الفائدة معلقة حتى منتصف عام 2020 فحسب، بل اتخذ أيضا الخطوة الأولى نحو صياغة رد فعل البنك المركزي في حال تفاقمت الظروف الاقتصادية.
بشكل مثير للجدل أعاد دراجي تشكيل السياسة النقدية لمنطقة اليورو من كونها أشبه بنمط البنك المركزي الألماني إلى شيء أقرب إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مشتريا سندات تقدر قيمتها بملايين اليوروهات من أجل القضاء على خطر الانكماش – على الرغم من المعارضة الشديدة في دول الشمال.
ويوم الخميس، كشف رئيس البنك المركزي الأوروبي أن مجلس إدارة البنك بدأ مناقشات "أولية" حول تنشيط برنامج شراء السندات، المعروف باسم التسهيل الكمي، في حال ساءت الظروف الاقتصادية. تطرقت تلك المناقشات أيضا إلى احتمال تخفيض البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة على الودائع.
ميلفين كراوس، زميل بمعهد هوفر في جامعة ستانفورد، قال إن "ماريو دراجي سيحافظ على أهميته، فهو ليس من فئة البط الأعرج. سيؤدي واجبه، وهو بدأ جولة جديدة من التسهيل الكمي. لن يترك دراجي (مهمة) إنهاء العمل لخلفه، أيا كان".
التاريخ الأكثر احتمالا لأن ينشط فيه دراجي عملية التسهيل الكمي، التي من خلالها اشترى البنك المركزي الأوروبي أصولا بقيمة 2.6 تريليون يورو، هو اجتماع البنك في أيلول(سبتمبر)، وهو ثاني آخر اجتماع له قبل أن يتنحى عن منصبه.
لكنه خلق توقعات بين المستثمرين أنه إذا كانت هناك حاجة لاتخاذ إجراء، فإن البنك المركزي الأوروبي سيتفاعل مع مزيد من التسهيل الكمي وتخفيض أسعار الفائدة حتى بعد تاريخ مغادرة بريطانيا للاتحاد الاوروبي في 31 تشرين الثاني (أكتوبر). هذا التوقع هو شيء سيصارع خلفه من أجل تجنب تحقيقه.
أندرو كينينجهام، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في "كابيتال إيكونوميكس" يرى أن "من سيتولى منصب دراجي سيرث مؤسسة تستعد لاحتمال احتياجها لإعادة تشغيل برنامج شراء الأصول (التسهيل الكمي). إزاء اعتقادنا بأن النمو الاقتصادي والتضخم من المحتمل أن يكونا أقل من مشروعات البنك المركزي الأوروبي، نحن سعداء بتوقعاتنا بأن البنك المركزي الأوروبي سيستأنف عمليات التسهيل الكمي بحلول منتصف العام المقبل".
هذا ليس بالأمر الهين، لأن عائق إعادة تشغيل برنامج التسهيل الكمي الذي ظل خاملا منذ بداية العام، أصبح مرتفعا اليوم – جزئيا بسبب المخاوف من إمكانية دفع سياسة البنك الراديكالية أساسا إلى أكثر من ذلك بكثير. ولا يبدو أن جميع خلفائه المحتملين حريصون على ذلك.
اثنان من أعضاء مجلس الإدارة اللذان يتنافسان على خلافة دراجي، رئيس البنك المركزي الألماني، ينس فيدمان، ومحافظ البنك المركزي الهولندي كلاس نوت، هما من بين أكثر المنتقدين لهذا البرنامج. ومن بين أعضاء البنك المركزي الأوروبي الآخرين المتنافسين على المنصب، المحافظ الفرنسي المعتدل فرانسوا فيليروي دي جالاو، ونظيره الفنلندي أولي رين، ومحافظ بنك فنلندا السابق إيركي ليكانين، جميعهم دعموا التسهيل الكمي.
من خلال الإيحاء بأن إجراء البنك المركزي الأوروبي يجب أن يقترن بمزيد من الإنفاق الحكومي، وضع دراجي المتشددين الماليين في برلين تحت الضغط. كما واجه بشكل حاسم أي شكوك في أن أسعار الفائدة يمكن أن ترتفع فقط من خلال الإصرار على أن البنك لم يكن لديه انحياز نحو زيادة أسعار الفائدة.
لم يدخل المزاج الاقتصادي في كآبة تامة بعد. يتوقع البنك المركزي الأوروبي نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.2 في المائة هذا العام، بزيادة 0.1 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة في آذار (مارس). أشار دراجي إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه "الشكوك العالمية الطويلة" تثقل كاهل الشركات المصنعة المعتمدة على التصدير، أثبتت مناطق أخرى من الاقتصاد مرونتها، مثل مجال الخدمات وأعمال البناء.
سوق العمل التي تواصل إدراج الوظائف، هي نقطة إيجابية كبيرة. ومع ذلك، أشار دراجي إلى أن الركود التصنيعي قد يستمر لبعض الوقت، وبشكل متزايد من غير الواضح إلى أي مدى يمكن للقطاعات الأخرى الصمود؟
ما زالت الأسواق متشائمة وترى أن الظروف ستزداد سوءا، لكن هذا ليس عاملا نادرا بالنسبة لمنطقة اليورو. أشار دراجي يوم الخميس إلى أن توقعات التضخم تتراجع في جميع أنحاء العالم، وأنحى باللائمة على "أحد العوامل العالمية". لكنه أوضح أن هذا ليس مبررا لعدم التصرف: "ما يتعين علينا فعله هو أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد وأن نكون مستعدين".
وبقوله ذلك، حرص دراجي على التأكد من أن الرسالة لا تعنيه فقط، بل تعني خليفته أيضا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES