default Author

الحشرة المنسية

|

تتهادى إليك بخطواتها الرشيقة وحلتها الأنيقة، بألوانها الزاهية، ونقوش تحتار عينك في تتبع تفاصيل جمالها. على الرغم من كونها حشرة، إلا أنها ليست ككل الحشرات، يختبئ وراء ذلك الهيكل الرقيق أسرار وجمال وفوائد سيقضي عليها إهمالنا لها!
ليس كل حشرة يجب التخلص منها، فهناك حشرات لا تكتمل دورة الحياة إلا بها وأي خلل سيعرضها لفقدان توازنها، فيتكاثر نوع على حساب الآخر وتعم الآفات. في آخر بحث أجري في ألمانيا وجدوا أن أعداد الفراشات تناقصت للثلث وفقدنا بذلك واحدة من الملقحات الأربعة المسؤولة عن تلقيح 85 في المائة من الأشجار والأزهار، لذا اتجهت بعض الدول إلى عمل حدائق للفراشات وليس البشر، تسمح لتلك الأعجوبة الصغيرة بالعيش في الأجواء التي تناسبها في فترة حياتها القصيرة، فهي لا تعيش أكثر من أسابيع ورغم ذلك تلعب دورا مهما وحيويا في حياة البشر، سواء بشكل مباشر أو ملهمة فنيا وعلميا.
فمجرد رؤيتها تحلق بك في عالم من الجمال وتبعث في نفسك الهدوء والسكينة وتساعدك على الهروب من ضغوط الحياة والقلق والاكتئاب حسب ما توصل إليه عالم الطبيعة البريطاني ديفيد أتينبورو، وبذلك تحافظ على صحتك العقلية. فجمال منظرها ألهم كثيرا من الفنانين على مر السنين، بداية من عام 1350 قبل الميلاد ومنذ عهد الفراعنة، ظهر ذلك جليا في مقبرة نب آمون، حيث تميزت بزخارف مبتكرة أساسها عديد من فراشات النمر الساطعة، كما كان الفنان السريالي سلفادور دالي مفتونا بالفراشات وعبر عن ذلك في لوحة "مشهد مع الفراشات".
أما إعجاز خلقها فقد ألهم علماء التقنية وفتح آفاقا جديدة للاختراعات. قام خبراء في معهد كارلسروه للتكنولوجيا في ألمانيا بدراسة أجنحة الفراشات الزجاجية التي تحوي مناطق شفافة في أجنحتها لا تعكس الضوء، وحاولوا تطبيق هذه الخاصية على شاشات الأجهزة الإلكترونية المحمولة المضادة للانعكاس.
ورغم منظرها الرقيق إلا أن غذاءها لا يقتصر على النباتات، بل تتغذى على الحشرات، خاصة تلك التي تنقل الفيروسات من النباتات إلى الفواكه والخضراوات مثل فراشة الحصاد، وعلى مخلفات جثث الحيوانات مثل فراشة الإمبراطور الهندي، فتسهم في الحفاظ على البيئة.
وقد تكون في المستقبل أحد مصادر المضادات الحيوية، بعد أن تمكن باحثون فقد من استخلاص مضاد حيوي قوي من فراشة ميدو براون الشائعة في بريطانيا.
وفترة حياتها القصيرة جعلتها حساسة جدا للتغيرات المناخية، إذ تؤثر التغيرات في درجة الحرارة على المواقع التي تختارها الفراشات لوضع البيض والعدد الذي تضعه وتطور اليرقات وبقائها على قيد الحياة، ما يساعد علماء المناخ على دراسة تقلبات المناخ ووضع خططهم واستنتاجاتهم.

إنشرها