FINANCIAL TIMES

سوق السندات تصرخ منادية بتخفيض الفائدة و«الفيدرالي» لا يسمع

سوق السندات تصرخ منادية بتخفيض الفائدة و«الفيدرالي» لا يسمع

يعرف المستثمرون جيدا النصيحة التي مفادها "لا تتشاجر مع البنك المركزي أبدا". ثمة جزء آخر من النصيحة هو "لا تتجاهل سوق السندات" عندما تبعث برسالة قوية.
تسارع انخفاض عائدات السندات السيادية العالمية هذا العام بشكل ملحوظ خلال أيار (مايو) الماضي، وهو تسارع أججه الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. هذه العلاقة الثنائية المليئة بالمخاطر، إلى جانب تفكير دونالد ترمب الحالية في فرض تعريفات جمركية على المكسيك، عززت النظرة المتشائمة للاقتصاد العالمي وتوقعات التضخم عندما ينظر إليها من منظور العائدات السيادية. سوق
الأداء القوي في سوق السندات يكشف أن العائد على سندات الخزانة الألمانية لأجل عشر سنوات تجاوز أدنى مستوى قياسي له في عام 2016 عند سالب 0.19 في المائة، في حين حدثت انخفاضات كبيرة في العائد على السندات لأجل عشر سنوات بالنسبة إلى دول أمثال كندا وفرنسا والمملكة المتحدة والسويد وأستراليا وغيرها.
بالانتقال إلى سوق سندات الخزانة الأمريكية، جميع العوائد المرجعية، التي تصل إلى عقد من الزمن، أقل من متوسط مستوى الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2.375 في المائة للاقتراض لليلة واحدة.
في الأسبوع الماضي تم رفع رايات الإنذار بعدما انخفض العائد على السندات لأجل عشرة أعوام إلى مستوى أدنى بكثير من العائد على السندات لأجل ثلاثة أشهر. ولم ينخفض العائد على السندات لأجل عشرة أعوام منذ صيف عام 2007 بمقدار 21 نقطة أساس أقل من نظيراتها لأجل 90 يوما.
علاقة العائد بين هذين النوعين المتباعدين من سندات الخزانة المعياريين انقلبت لفترة وجيزة في وقت سابق من هذا الشهر، وقبل ذلك في أواخر آذار (مارس). الانقلاب الأخير اشتمل على كثير من الزخم وأثار أعصاب السوق. مثل هذا التطور يخبر المستثمرين ومسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بأن الولايات المتحدة لن تنجو من خطر تباطؤ أعمق في الاقتصاد العالمي.
ومن غير المؤكد ما إذا كان هذا الأمر يؤدي إلى حدوث موجة من ركود النمو، أو حتى إلى انكماش اقتصادي، مثلما رأينا بعد انقلاب منحنى سندات الخزانة عام 2000 وخلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2007، لكن هذه الاحتمالات تتقلص. يمكن للمرء أن ينظر إلى سوق السندات ويظن أنها تقدمت بشكل كبير على الأساسيات، لكن مشتري السندات السيادية يدفعهم الضرر المحتمل الذي أصاب التدفقات التجارية العالمية والاستثمار التجاري مع تدهور اللهجة بين واشنطن وبكين.
وفي هذا المنعطف، "وول ستريت" الآن بعيدة نوعا ما عن الدخول في هذا النوع من الخسائر التي من المحتمل أن تؤدي إلى اعتدال لهجة الرئيس الأمريكي.
حتى في حالة حدوث هدنة تجارية غير متوقعة قبل اجتماع مجموعة العشرين في أواخر حزيران (يونيو)، فإن أي دعم في عوائد السندات العالمية وانحدار منحنى سندات الخزانة الأمريكية يبدو محدودا، لأن الأسواق ستنتظر رؤية الضرر الذي يمكن أن يكون قد أصاب النشاط العالمي بسبب تصعيد الحرب التجارية.
فترة جمود مطوّلة حول التجارة ستلقي بثقلها على ثقة الشركات العالمية والاستثمار الرأسمالي، وفي الوقت نفسه تعمل على إطالة أمد التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى النصف الثاني من العام. وبالنظر إلى الحجم القياسي لديون الشركات الأمريكية المستحقة، فإن التباطؤ العالمي الأكثر حدة وزيادة تقلبات السوق يعنيان أن الشركات المثقلة بالديون ليس لديها مجال كبير يتيح لها أن تتحمل الشعور بالألم، ما يفتح المجال أمام تخفيض التكاليف - تسريح الموظفين، مثلا.
لن يؤدي هذا إلا إلى زيادة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي للتوجه نحو خفض أسعار الفائدة الوقائي "من باب التأمين"، الذي سيساعد على تعويض الرياح المعاكسة العالمية التي تهب على الاقتصاد الأمريكي.
مثل هذه الخطوة من الاحتياطي الفيدرالي تبدو غير محتملة على المدى القريب لأن المحفزات المحتملة لخفض أسعار الفائدة، مثل انخفاض التضخم أو انخفاض الاستهلاك واستثمار الشركات، لم تنذر بالخطر حتى الآن. هذا كان النقطة الأساسية التي طرحها نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ريتشارد كلاريدا، الأسبوع الماضي. مرة أخرى، تحذير منحنى العائد بعيد المدى يبدو معرضا لخطر التقليل من شأنه، كما شهدنا مرتين من قبل في العقد السابق.
هذا لن يحبط توقعات السوق للحاجة إلى خفض سعر الفائدة الوقائي من قِبل الاحتياطي الفيدرالي هذا الصيف، الذي بدوره يعني انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية واحتمال انقلاب مستمر للمنحنى.
لكن هذا يستلزم ظروفا مالية أكثر صرامة من خلال الأسهم الضعيفة. الدولار القوي أيضا يلوح في الأفق، حيث استمرار انخفاض عوائد السندات السيادية العالمية يؤدي إلى بقاء عوائد سندات الخزانة الأمريكية أعلى بكثير من منافسيها البارزين. حتى الآن، عملات الأسواق الناشئة خسرت كل مكاسبها لهذا العام، ما قلب الموازين نحو هزيمة أكبر، وزيادة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي للتصرف في نهاية المطاف بالنظر إلى أهمية الدولار العالمية.
يجادل بعضهم بأن الاحتياطي الفيدرالي ينبغي أن ينتظر، وذلك بسبب عوامل اللبس المتأصلة حول المفاوضات التجارية والمسار الذي سيؤول إليه تباطؤ النشاط الاقتصادي في نهاية المطاف. وفي حين أن القطاع الاستهلاكي والخدمات في الولايات المتحدة لا يزالان في صحة جيدة، باستثناء تهدئة مفاجئة بشأن التجارة من البيت الأبيض، إلا أن أسواق الأسهم والسندات تواجه صيفا صعبا. على عكس البنوك المركزية الرائدة الأخرى، الاحتياطي الفيدرالي لديه مجال لتيسير السياسة النقدية وينبغي أن يأخذ في الحسبان رسالة أسواق السندات السيادية العالمية، إلى جانب الرسالة من عوائد سندات الخزانة الأمريكية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES