Author

اقتصاديات عيد الفطر

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


عيد مبارك وسعيد إن شاء الله وتقبل الله منا ومنكم جميعا، والله أكبر ولله الحمد. وبالمناسبة اشتهر عند الناس عبارة أيام العيد، ولكن عيد الفطر يوم واحد.
ما مصدر أهمية عيد الفطر من وجهة نظر اقتصادية سوقية؟ تشهد الأيام قبيل العيد قمة أنشطة تجارية على رأسها التسوق لمعظم قطاعات التجزئة. ويشهد موسم عيد الفطر قمة الضعف لأنشطة وتداولات، وعلى رأسها الصفقات العقارية.
ماذا بشأن النشاط في اليوم التالي ليوم العيد؟ الأغلب ضعف النشاط التجاري للتجزئة. وقوته للنشاط ذي الطابع السياحي. وبعض التجار يستغل الوضع فيفتح معارضه ومحاله في اليوم التالي للعيد. ولا سيما في تجارة السلع موضع الإهداء في العادة كالملابس والإكسسوارات وغيرها.
رغم التوسع القوي لنشاط أنشطة تجزئة قبيل يوم العيد، لكن هناك نقطة ضعف. هناك قدر ضائع أو في حكم الخسارة deadweight loss حسب التعبير المستخدم في الاقتصاد الجزئي أي اقتصاد الوحدات والأفراد من بائعين ومشترين مستهلكين، وليس في اقتصاد الوطن والمجتمع كله. ما مصدر الخسارة للبائع والمستهلك؟
تكمن الخسارة في الفرق في تقييم قيمة وأهمية السلعة بين الطرفين الدافع والمتسلم، أي من يشتريها ويدفع ثمنها ومن يتسلمها ويستفيد منها، باعتبارها هدية أو هبة أو مساعدة. ذلك أن البشر يتفاوتون تفاوتا كبيرا في تقييمهم لتوافر سلعة من السلع بين أيديهم في وقت من الأوقات. وتبعا لهذا التفاوت، يختلفون في تقييم ما تستحقه تلك السلعة من مال يدفع مقابل الحصول عليها. وتطبيقا على هدايا العيد، يختلف التقييم للسلعة المهداة بين مهدي السلعة والمهداة إليه.
هناك مشكلة من نوع آخر، تجلب مواسم الأعياد ضغوطا مالية على كثير من الأفراد والعائلات، نتيجة زيادة الإنفاق زيادة حادة، وهنا ممكن عمل ترتيبات تخفض تلك الضغوط المالية، وهي ترتيبات تعمل بها بعض المجتمعات لتخفيف ضغوط تزايد النفقات في مناسبات، كيف؟ عبر وضع برامج ادخارية قصيرة المدى لا تستمر إلا شهورا قليلة، فقد تتبنى شركة أو جهة حكومية برنامج ادخار من الراتب لمدة بضعة شهور تحسبا لزيادة الإنفاق في موسم قادم.
لعلنا نرى مؤسسات في بلادنا ترتب لبرنامج ادخاري موسمي، بما يخفف الضغوط المالية على العائلات، وأهميته تزيد في بلادنا خاصة في هذه الأعوام، ذلك أن شهر رمضان والعيد وفق التقويم القمري، لكن الرواتب وفق التقويم الشمسي. وموسم الإجازات قد بدأ، والعودة إلى المدارس عما قريب، وكلاهما يحملان مزيد عبء إنفاقي على الناس. وإجمالا، صورة الموسمية في الاقتصاد السعودي أكثر وضوحا من معظم الاقتصادات العالمية الأخرى. ولكنها موسمية غير مستقرة. والسبب أن العام الهجري أقصر من الميلادي بنحو أحد عشر يوما،
وفي هذا تعمل جهات إحصائية أرقاما قياسية ومتابعات لتغير الأسعار والكميات وتكاليفها خلال مناسبات الأعياد، مثلا في الولايات المتحدة هناك ما يعرف فيها باسم الرقم القياسي لأسعار عيد ميلاد المسيح Christmas Price Index.
ولعل الهيئة العامة للإحصاء في بلادنا تنظر في عمل متابعات قياسية من هذا القبيل.
أخيرا معروف أن دعايات التسويق والتمويل الائتماني في أنشطة التجزئة والسياحة تنشط أكثر في مناسبات الأعياد، وقد ينجم منها دفع أفراد وعائلات إلى توسع إنفاقي مبالغ فيه كثيرا، وجر هذا السلوك إلى رد فعل. فقد ظهرت في بعض المجتمعات حركات تدعو إلى العكس، تدعو المجتمع إلى عدم زيادة الإنفاق خلال الأعياد، حفظا للتوازن المالي العائلي، وتقليلا للديون. والمطلوب التوسط والاعتدال؛ أي التوسع بحدود. وعيد فطر سعيد ومبارك للجميع.

إنشرها