FINANCIAL TIMES

"إنستجرام" يهدد بخنق جيل جديد من المبدعين

"إنستجرام" يهدد بخنق جيل جديد من المبدعين

بدأ كل ذلك عندما أدركت نيكيتا جيل أن عدد الإعجابات في مشاركاتها الأكثر نجاحا على تطبيق إنستجرام قد توقفت.

تقول الكاتبة البريطانية- الهندية البالغة من العمر 31 عاما "كنت أحصل على نحو 20 ألف إعجاب، ولكن بعد ذلك لاحظت أنها تبقى على حالها على الرغم من أن أعداد متابعي ارتفعت بنسبة 60 في المائة العام الماضي".
كانت لدى جيل أسباب أكثر من معظم الناس لتقلق بشأن رد الفعل على مشاركاتها، فهي من بين "شعراء إنستجرام" الأكثر شهرة في بريطانيا، كما يعرف الكتاب الذين ينشرون أعمالهم على منصة التواصل الاجتماعي.
تم تصميم تطبيق إنستجرام كمساحة لتبادل الصور، كما أنه مثالي للاقتباسات والقصائد.
ضيف الكتاب غالبا الرسوم التوضيحية والخطوط الخلفية لإحداث تأثير بصري. أصبح "إنستجرام الشعر" ظاهرة - هاشتاج# الشعر حاليا يصل إلى 31.9 مليون مشاركة – الأمر الذي أدى إلى زيادة مبيعات كتب الشعر وتقديم جيل جديد إلى عالم الشعر.
يغطي هذا المصطلح، الذي يستخدمه حراس البوابة الأدبيون باستخفاف في بعض الأحيان، مجموعة من الأعمال لنشرها على المنصة.
إنه جزء من دور حاسم تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في مجال الشعر، حيث تمنح الكتاب منصات مجانية لوضع أعمالهم أمام القراء، ومن خلال بناء آلاف المتابعين، لتغذية وتنمية جمهورهم - كل ذلك دون الحاجة إلى التغلب على عقبات العثور على وكيل أو ناشر.
الكتب من خلال شعراء إنستجرام – الكندية روبي كاور أكبر بائع - تمثل أكثر من 12 في المائة من سوق كتب الشعر في بريطانيا، البالغ حجمها 12 مليون جنيه، ما يساعد على زيادة المبيعات بنسبة 50 في المائة في هذا القطاع منذ عام 2014، وفقا لشركة نيلسن بوكسكان، التي تلاحظ أن النساء الذين تراوح أعمارهن بين 13 و34 سنة يمثلن 38 في المائة من مبيعات كتب الشعر عام 2018.
في الولايات المتحدة، رأى أندروز مكميل، الناشر الذي استحوذ على أعمال كاور، أرباحه ترتفع بنسبة الثلث في العامين المنتهيين في أيار (مايو) 2018.
يقول أندريا ريس من مؤسسة فورورد آرتسForward Arts Foundation، وهي مؤسسة خيرية مقرها بريطانيا مسؤولة عن اليوم الوطني للشعر "غير شعراء إنستجرام الطريقة التي يرى بها الشباب الشعر".
تستكشف أبيات شعر جيل التوقعات غير الواقعية، التي تنتظر الشابات، وتحظى بشعبية مع هذه الديموغرافية، بما في ذلك كثير من خلفيات عرقية سوداء أو آسيوية أو من الأقليات عموما. عندما تكتب "كلمة جميلة هي جلد/ عميق، سجن مكون من خمسة أحرف وضعوك فيه"، أو في "حكايات الجنيات الشرسة"، تعيد رواية القصص الشعبية عن النساء الصامتات من وجهة نظرهن، فإن الرموز التعبيرية للقلب تتراكم. استجابة أتباعها تكون شديدة عندما تعتمد على تجربتها في التعرض للاعتداء والاكتئاب والبقاء على قيد الحياة، كما فعلت في كتابها الأول، الجمر البريWild Embers (2017).
الإعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي ليست حول مشاركة الخبرات بالنسبة إلى جيل، بل إنها طريقة لتسويق كتاباتها.
هناك 522 ألف متابع على المنصة واهتمامهم بما لديهم لتقوله يعني أن مبيعاتها من الكتب خلال الأشهر الستة الماضية، يبلغ متوسطها نحو 750 أسبوعيا في بريطانيا والولايات المتحدة، وفقا لما قالته نيلسن.
الآن باتت "إنستجرام" في خطر خنق الظاهرة الأدبية، التي أطلق عليها اسمه. تعتقد جيل أن التدابير، التي أدخلتها منصة فيسبوك لتعزيز دخلها التجاري تؤدي إلى عزلها - وزملائها من الشعراء - عن قاعدة المعجبين الذين عملوا بجد لإنشائها.
تقول جيل، التي تتهم المنصة بالتعديل المتعمد للخوارزميات التي تضع المحتوى أمام المستخدمين "تطبيق إنستجرام يجعل المنصة غير قابلة للوصول إلى الفنانين والشركات الصغيرة أكثر فأكثر، ما لم ندفع لها المال لتعزيز منشوراتنا".
عندما أدخل "إنستجرام" خوارزمية جديدة في عام 2016 - عمدت شبكات اجتماعية أخرى مثل تويتر إلى إجراء تغييرات مماثلة - ادعت المنصة أن هدفها كان ببساطة تسهيل الحياة.
في السابق كان ما ينشر من شخص ما هو على أساس التسلسل الزمني البحت. تلقى المستخدمون التحديثات من أي شخص تتبعوه عند حدوثها.
أعطت الخوارزمية الجديدة الأولوية للمحتوى من الحسابات التي يتعامل معها المستخدم.
سيظل الأشخاص يتلقون كل مشاركة من خلال الحسابات التي يتابعونها، لكن التصنيف الذي يعتمد على الخوارزمية دفع عنصر الصدفة.
عندما يتم ترحيل منشور إلى الروافد الدنيا لتغذية المتابعين، يكون احتمال ظهوره أقل احتمالا. بشكل إجمالي، يعني هذا عدد مرات ظهور أقل لكل منشور.
كان للتحول تأثير فوري على إمكانية الوصول لكل مشاركة في شعراء إنستجرام مثل جيل، حيث إن أبيات شعرهم أنزلت على شاشات هؤلاء المتابعين الأقل تفاعلا. قدمت المنصة النصيحة بشأن بعض التدابير المضادة، لكن لم ينجح أي من هذه الاقتراحات في العمل لمصلحة جيل.
وتقول "في الأصل مع التغذية التسلسلية ستذهب مشاركاتي إلى جميع أتباعي ثم تنخفض إلى نحو 70 في المائة. خلال العام الماضي، عدد مرات الظهور، التي تحدث عندما يفتح أحد المتابعين منشورا، انخفض أكثر حتى من قبل، وقد وصل الآن إلى ما بين 25 في المائة و50 في المائة".
شعراء "إنستجرام" الآخرون لهم قصص مماثلة. تقول أماندا لوفليس، شاعرة مقرها في نيوجيرزي تضم مجموعتها الساحرة لا تحرق هذي في المطالعات الجيدة
The Witch Doesn’t Burn in This One والتي فازت بجائزة شعر Goodreads لعام 2018: "نسبة صغيرة فقط من أتباعي يشاهدون مشاركاتي الآن". ووصلت مشاركة حديثة إلى نحو 22 ألف شخص من أتباعها البالغ عددهم 72 ألف شخص.
وتقول "في العام الماضي، عندما كان لدي نصف عدد المتابعين، وصلت مشاركاتي إلى نحو 20 ألف شخص، وهذا ليس فرقا كبيرا".
للوصول إلى مزيد من المستخدمين، يتم تشجيع جيل على الدفع للترويج لمحتواها. وتقول إن "إنستجرام" ستبيع قصائدها لمستخدميها الذين يراوح عددهم بين 2200 و5800 مقابل 30 جنيها في المرة الواحدة، مضيفة أن المنصة تتقاضى 1000 جنيه يوميا مقابل 43 ألف إلى 110 آلاف مستخدم.
لا يتمتع الشعراء الذين يروجون لعملهم بهذه الوسائل إلا بقدر ضئيل من التحكم في الأماكن، التي ينتهي بها الأمر بالفعل.
يمكنهم استهداف بعض العوامل السكانية أو تفويض المهمة إلى خوارزمية "إنستجرام"، لكن كثيرين منهم يعتقدون أن منشوراتهم تتخطى الحدود الزمنية لأتباعهم الحاليين المشاركين.
تقول تريستاماتير، شاعرة في بالتيمور لديها 55 ألف متابع "عندما يمنحك "إنستجرام" خيار الترويج لمشاركة ما، فلن تكون صريحا على الإطلاق بشأن حقيقة أنك في الغالب ستروج للمتابعين الذين لديك من قبل".
أنشأ "إنستجرام" نظاما يجب أن تنشر فيه كل يوم وعليك أن تدفع كل يوم للناس لرؤية ما تنشره، وإن لم تفعل، فكل السنوات أو الأشهر، التي قضيتها في إنشاء هذا السوق لعملك هي غير ذات صلة نهائيا.
هذا مهم لأن وجود وسائل التواصل الاجتماعي أمر حيوي للكتاب الطموحين، كما يقول الشاعر الجنوب إفريقي إيان توماس.
ويضيف "إذا لم يكن عملك موجودا على منصات "فيسبوك" أو "تويتر" أو "إنستجرام" أو غيرها، فهو ببساطة غير موجود". مع ذلك، على الرغم من وجود 110 آلاف متابع على موقع فيسبوك، هناك "بضع مئات على الأكثر سيرون أي شيء أنشره ما لم أدفع مقابل ذلك. لم أنفق شيئا لبناء جمهوري الأصلي، لكني أنفقت عشرات الآلاف من الدولارات للحفاظ عليه".
يبني الناشرون بشكل متزايد قراراتهم للتعامل مع الكتاب على حجم وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة التي تجري متابعتها، من المتوقع أن يقوم المؤلفون بكثير من التسويق عبر الإنترنت.
يقول ماتير "لا يفهم الناشرون أننا ندفع لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي مقابل الأشخاص، الذين يشاهدون المشاركات".
"لذلك، فإن المؤلف الذي يتقاضى دولارا على كل كتاب في المتوسط، يجب أن يدفع 150 دولارا للترويج لمشاركة ستبيع ربما 50 كتابا أو نحو ذلك. الرياضيات في هذا المكان سيئة للغاية بالنسبة للمؤلف".
ينفي تطبيق إنستجرام أن الخوارزمية لديه مدفوعة بالتجارة، مدعيا أنه تم تقديمها لأن المستخدمين كانوا يفوتون منشورات أصدقائهم وعائلاتهم ولإيقاف الحسابات، التي تحتوي على مشاركات متكررة تهيمن على خلاصات الجميع.
يقول متحدث باسم "إنستجرام" "لدينا مجتمع يزيد على مليار شخص ونعمل بجد لمساعدة الجميع على تجربة إيجابية".
ومع ذلك، فإن النتيجة، حتى لو كانت غير مقصودة، هي أن الوسيلة التي احتفل بها ذات مرة على أنها ديمقراطية وتعطي الكتاب المهمشين صوتا، أصبحت أكثر انتقائية وسيطرة.
يقول ريس "من الرائع أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنت ذلك. سيكون الأمر أعظم إذا أدرك نموذج أعمال وسائل التواصل الاجتماعي أن الخوارزميات لا يمكنها قياس كل القيمة.
كلمات الشعراء مثل نيكيتا ليست مجرد منتجات، بل يمكن أن تكون شريان الحياة لقرائها من الشابات، لأنها تفتح نهجا لمواضيع ضخمة".
قامت جيل بتطوير متابعين على وسائل التواصل الاجتماعي تضمن لهم سماع صوتها على أي حال، وخفضت معدل نشرها على تطبيق إنستجرام إلى مرة واحدة في الأسبوع. غير أن كثيرا من الفنانين الطموحين ليس لديهم هذا الخيار، كما تقول.
"بينما أنا محظوظة بما فيه الكفاية لوجود جمهور كبير، لا تزال الخوارزمية تؤثر في مبيعاتي، ولا يسعني إلا أن أشعر أنه بالنسبة لفنان أو كاتب بدأ للتو، ستخنقهم الخوارزمية تماما، بمنعهم من الحصول على جمهور يستحق فنهم".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES