FINANCIAL TIMES

إلى أي مدى سيظل مادورو رئيسا لفنزويلا ؟

إلى أي مدى سيظل مادورو رئيسا لفنزويلا ؟

إلى أي مدى سيظل مادورو رئيسا لفنزويلا ؟

لقد كانت مجرد رسالة، إلا أنها كانت أساسية للمزيج القوي من براعة التجسس والمحادثات الخلفية، ما أثار محاولة المعارضة الأكثر جرأة للمطالبة بالرئاسة الفنزويلية، ضمن مسلسل أزمة سريعة التصعيد يمكن أن تورط الولايات المتحدة في نزاع أهلي دموي، في أمريكا الجنوبية.

كان الجنرال مانويل ريكاردو كريستوفر فيجويرا، رئيس الشرطة السرية التي تبعث الخوف في فنزويلا، أحد أقرب الأصدقاء المؤتمنين لدى الزعيم الاشتراكي نيكولاس مادورو، لكن من خلال 664 كلمة تم اختيارها بعناية، وصف نظام مادورو بأنه متآكل من الفساد والانقسام والفشل – وهو وضع، كما أشار، له حل واحد فقط: التمرد، بما في ذلك من قبله هو شخصيا.
كان الجنرال فيجويرا واحدا من عدد من كبار المسؤولين الذين أجروا محادثات سرية لعدة أسابيع حول تغيير النظام مع المعارضة الفنزويلية بقيادة خوان جوايدو، الذي تعترف به 54 دولة، منها الولايات المتحدة، كرئيس شرعي للبلاد.
كانت الخطط متقدمة جدا لدرجة أن المعارضة كانت لديها وثيقة مكونة من 15 نقطة تحدد الشروط الانتقالية للنظام، الذي تدعمه روسيا وكوبا. من بين تلك النقاط كان خروج مادورو، وضمانات للجيش وتثبيت جوايدو كرئيس مؤقت.
تسارعت الأحداث بسرعة حتى قبل أن تبدأ رسالة الجنرال فيجويرا، التي تم التحقق من صحتها من قبل الموقع الإلكتروني الفنزويلي Efecto Cocuyo، بالانتشار على وسائل الإعلام الاجتماعي.
وقف جوايدو خارج قاعدة كارلوتا الجوية العسكرية في كاراكاس ودعا إلى بدء "المرحلة الأخيرة" من عملية التحرير، تتويجا لحملة مدتها أربعة أشهر لإسقاط مادورو الذي يزعم أن لديه دعما عسكريا لا يستهان به.
تدفق آلاف المتظاهرين للانضمام إلى جوايدو في القاعدة الجوية، ليبدأوا يوما محموما على مستوى البلاد من المسيرات العفوية ومعارك الشوارع التي ملأتها الغازات المسيلة للدموع.
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي وضع فنزويلا ضمن أولوياته في السياسة الخارجية إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، كتب على منصة تويتر من واشنطن أنه يراقب الوضع "عن كثب".
أما مادورو فكتب، "أعصاب من حديد" في تغريدة إلى أتباعه، قبل أن تختفي.
"سوف نستمر في الشوارع إلى أن نحقق حرية فنزويلا"، كما قال جوايدو للأتباع الذين تجمعوا في ساحة ألتاميرا، معقل المعارضة. وصاحوا قائلين، "نعم نستطيع!".
وسط الارتباك آنذاك، انتشرت الشائعات أن مادورو كان على وشك ركوب طائرة متجهة إلى هافانا.
في النهاية، لم تحدث الانشقاقات الجماعية ولم يرحل مادورو. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، طرح النسخة التالية من الأحداث، "كانت لدى مادورو طائرة في انتظار نقله، لكن الروس أقنعوه بالبقاء".
الجنرال فالديمير بادرينو، وزير الدفاع، وفقا لمسؤولين أمريكيين كان أحد المتفاوضين بشأن الانتقال مع المعارضة، غير أنه غير موقفه فجأة، من خلال إعلان ولائه لمادورو على التلفزيون، محذرا من أن الجيش سيدافع عن مادورو بدمه. غيره من كبار الضباط حذوا حذوه.
باستثناء بضع عشرات من المنشقين ذوي الرتب المنخفضة، كان وحده الجنرال فيجويرا هو الذي غير ولاءه.
في وقت متأخر، ظهر مادورو مرة أخرى لإلقاء خطاب تلفزيوني من قصر ميرافلوريس الرئاسي، حيث بدا متوترا ليعلن أن قواته قد سحقت "مناوشات شبيهة بالانقلاب".
بحلول ذلك الوقت، لجأ ليوبولدو لوبيز، زعيم معارض هرب من الإقامة الجبرية وملاحقة عملاء جهاز المخابرات الوطنية التابعين الذين يحرسونه، إلى منزل السفير الإسباني.
الاحتجاجات الجماعية التالية بقيادة جوايدو تم احتواؤها من قبل سيارات مصفحة يقودها الحرس الوطني والميليشيات المسلحة على دراجات نارية.
شوارع كاراكاس هادئة في الأغلب بعد أن كانت معارك الشوارع قد تركت ما لا يقل عن أربعة قتلى ومئات الجرحى، جراء الأحداث.
أما بالنسبة للجنرال فيجويرا، فلا يزال مكانه مجهولا، على الرغم من أنه يفترض أنه هرب من فنزويلا إلى بورتوريكو.
ليس من الواضح سبب فشل حملة المعارضة الأخيرة، على الرغم من أن كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم بومبيو وإليوت إبرامز، المبعوث الأمريكي الخاص إلى فنزويلا، أشاروا إلى أن السبب كان النفوذ الكوبي والروسي.
قال إبرامز لشبكة تلفزيون فنزويلية عبر الإنترنت: "نحن نعلم أن جزءا كبيرا، وأغلبية القيادة العليا كانت تجري محادثات.. حول إجراء تغيير في الحكومة، مع رحيل مادورو وضمانات للجيش".
بعد ذلك "توقفوا عن الرد على هواتفهم".
أحد الاحتمالات، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، هو أن ضباط المخابرات الكوبيين علموا بالمحادثات وأخبروا الجنرال بادرينو. بعد أن تظاهر أنه جزء من المؤامرة، استخدم بعد ذلك المفاوضات للكشف عن المتمردين.
الاحتمال الآخر هو أن موسكو، التي تدين لها كاراكاس بمليارات الدولارات، ساعدت في إحباط الخطة – وهي فكرة عدها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سخيفة بعد مكالمة هاتفية مع بومبيو.
قال لافروف، "اتصل بومبيو، وطلب منا رفض دعم مادورو، وطلب من كوبا ومنا عدم التدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا. القصة كلها تبدو سيريالية للغاية".
"إذا أحصيت كل ما يقوله الممثلون الرسميون للإدارة الأمريكية عن فنزويلا، فيمكنك طرح أسئلة إلى ما لا نهاية، ولكل هذه الأسئلة سيكون الجواب، إذا أردنا التعبير عنه بطريقة دبلوماسية: هذا غير صحيح".
مهما كان الذي حدث، بقي مادورو في السلطة. مع ذلك، حقيقة أنه بث خطابين في يوم واحد من قواعد عسكرية، حيث كان يسير بزي القتال وهاجم "المتآمرين والخونة الانقلابيين"، تشير إلى قبضة ضعيفة على السلطة.
"الانقسام بدأ، وصدقوني، الشق الذي انفتح في الـ30 من نيسان (أبريل) الماضي، هو شق سيتحول إلى صدع وهذا الصدع سينتهي بتحطيم الخندق"، كما قال لوبيز من منزل السفير الإسباني، بعد أن أمرت محكمة في كاراكاس بإعادة القبض عليه.
الأزمة الاقتصادية تزيد الأمور سوءا. عقدان من سوء الإدارة، التي تفاقمت في كانون الثاني (يناير) الماضي، بسبب العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الفنزويلية، جعلت من الصعب أكثر على مادورو دفع المال لأنصاره، وإطعام قوات الأمن وعائلاتهم.
حتى أفراد عائلة الجنرال بادرينو (ترجمة اسمه هي العراب) يبدو أنهم ناشدوه لتغيير الجانب الذي يؤيده.
"اليوم نتضرع إليك باسم الأمل لفنزويلا، من أجل مستقبل بلد لا يمكنه أن ينزف أكثر ما فعل، نريد أن نطلب منك الانضمام إلى الشعب"، هذا ما قاله أحد أقاربه في مقطع فيديو للعائلة تم تحميله على موقع يوتيوب، داعيا فيه بادرينو بـ"ابن العم".
جوايدو، رغم المخاوف الدائمة من اعتقاله، يستمر بالتحرك بحرية وجذب المتظاهرين إلى الشوارع، فدعا إلى استمرار حشد الجماهير أمام أكبر القواعد العسكرية في البلاد للتظاهر "بسلام... وبدون استسلام للاستفزازات".
قال جوايدو في مؤتمر صحافي متحدثا عن الإحباطات حول العملية الفاشلة، "هل كان حراكنا الأخير ناجحا أم لا؟ الفشل الحقيقي هو عدم وجود كهرباء في ماراكايبو، واستمرار مادورو في اغتصاب السلطة. إلا أن عملية التحرير ستستمر".
خارج البلاد، تعتمد المعارضة على الدعم الكبير من الحلفاء في أوروبا ومعظم أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة – حيث يكرر ترمب أن "كل الخيارات لا تزال مطروحة"، وهو تعهد قد يتم اختباره قريبا.
مع ذلك، تشير التقارير إلى أن الرئيس الأمريكي، في المقابل، يقاوم حتى الآن دعوات من أجل نهج أكثر عدوانية.
الرئيس ترمب قال لقناة فوكس نيوز، "نحن نبذل كل ما في وسعنا، لكن، كما تعرفون، دون المستوى النهائي". وأضاف، "هناك أشخاص يريدون منا القيام بالأمر النهائي".
بالنسبة إلى الوقت الحالي، وصل الوضع إلى طريق مسدود. تقديرات الأمم المتحدة تقول إن هناك 7 ملايين فنزويلي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فمن غير الممكن أن يستمر إلى الأبد.
يقول أحد رجال الأعمال في فنزويلا المقرب من النظام، "لا أحد يريد أن يبقى مادورو، لا أحد. يجب أن يذهب. الأسئلة الوحيدة هي، متى وكيف؟".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES