Author

جديد المادة الرابعة

|
مستشار اقتصادي


في كل عام تزور بعثة صندوق النقد الدولي المملكة لمراجعة الحالة المالية والاقتصادية تحت ما يعرف بالمادة "الرابعة"، حيث أصدر الصندوق تقريرا في 15 أيار (مايو) بعد مشاورة الجهات المسؤولة في الدول خاصة وزارة المالية وغيرها من الجهات المختصة. صدر التقرير الذي عادة يتابع من كل المهتمين لأن الصندوق يعد جهة مهنية محايدة على الرغم من نزعتها في الحفاظ على درجة من التواصل مع الدول. أول مرة أكتب عنه كان في عمود بعنوان (ما لم تذكره المادة الرابعة - راجع "الاقتصادية" 28 أغسطس 2012) إذ توافق الدول على نشر التقرير علنا. أذكر من العمود السابق اقتباسا من تقرير الصندوق حينه "على الرغم من أن الحكومة أخذت بسياسة احتياطية، إلا أن المصروفات الحكومية أعلى مما يتناسق مع استهلاك عادل للثروة النفطية بين الأجيال". جاء التقرير الأولي هذه المرة بعدة ملاحظات على عدة مسائل مالية واقتصادية.
يذكر الصندوق أن الإصلاحات الاقتصادية بدأت تحقق نتائج إيجابية خاصة في انتعاش النمو غير النفطي ومشاركة النساء في سوق العمل وارتفاع مستويات التوظيف. كذلك زادت الإيرادات غير النفطية بسبب التطبيق الناجح لضريبة القيمة المضافة وساعد أيضا تعديل أسعار الطاقة على حفظ استهلاك البنزين والكهرباء وتعويض الأسر المحتاجة. كذلك نوه التقرير بتحسن بيئة العمل. وذكر أيضا بعض التحديات فقد "زاد الإنفاق الحكومي، الذي أسهم في دعم النمو الاقتصادي، لكنه يؤدي أيضا إلى زيادة تعرض المالية العامة على المدى المتوسط لمخاطر التأثر بأسعار النفط". وللحد من هذه المخاطر: هناك حاجة إلى الضبط المالي بشكل عام، والتخفيف من تأثير القطاع الحكومي في الاقتصاد. كذلك ذكر أن البطالة لا تزال مرتفعة ولكن أيضا حددت إصلاحات الحكومة أن الحد من البطالة أحد أهدافها. كذلك حث التقرير على رفع مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة تمويل الشركات الصغيرة والناشئة.
حقق الاقتصاد السعودي نموا حقيقيا في 2018 بنسبة 2.2 في المائة عقب انكماشه في 2017 "على الرغم من ارتفاع الاقتصاد غير النفطي بنسبة 1.3 في المائة"، ويتوقع التقرير أن يصل النمو في القطاع غير النفطي إلى 2.9 في المائة في 2019 خاصة أن التقارير الشهرية تبدو إيجابية. ولكن أيضا يرى الصندوق أن تحقيق نمو مؤثر في الاقتصاد غير النفطي أحد أهم التحديات. كذلك نوه تقرير برنامج تحقيق التوازن المالي بأنه يجب الاستمرار في إصلاحات أسعار الطاقة والمياه وكذلك تحسين إدارة الإنفاق الحكومي وشفافية المالية العامة.
التقرير جاء في غالبه إيجابيا ومتفهما للإصلاحات التي تتخذها الحكومة ووزارة المالية والجهات الفاعلة المالية والاقتصادية الأخرى، ولكن كعادة تقارير الصندوق الدولي هناك تركيز على الاقتصاد الكلي من ناحية وعدم تحديد برامج محددة خاصة للمملكة إذ تبدو كأنها وصفة عامة للإصلاح، فمثلا اعتماد المملكة على العمالة الوافدة لم يعط حقه من التحليل والتوصية، ومن ناحية أخرى تركز أكثر على المالية العامة دون إعطاء الحيثيات الاقتصادية حقها وخاصة في الاقتصاد الجزئي، إذ لاحظت تقليل الاهتمام بالقطاع الخاص هذه المرة. أيضا يبدو أن هناك توصية بزيادة ضريبة القيمة المضافة وهذا في نظري من المبكر لأن الزيادة في الاستهلاك جاءت بسبب ارتفاع المصروفات وليس كخيار مستقل، لذلك الأجدى على الأقل الانتظار لحين هضم الاقتصاد للتطبيق الأول للضريبة. وأرى أيضا أن التركيز على المالية العامة جيد ولكن التركيز على القطاع المالي غير متوقع خاصة أن هذا القطاع من أكثر القطاعات تطورا نسبيا من ناحية وليس بديلا عن إصلاحات جذرية في الاقتصاد الجزئي والإنتاجية والحوكمة من ناحية أخرى.

إنشرها