FINANCIAL TIMES

«أوكسدنتال» تقامر بـ 56 مليار دولار لإثبات جدوى النفط الصخري

 «أوكسدنتال» تقامر بـ 56 مليار دولار لإثبات جدوى النفط الصخري

عندما وقفت فيكي هولوب الرئيس التنفيذي لشركة أوكسدنتال للتحدث في الاجتماع السنوي لشركة أوكسدنتال بتروليوم، كانت تعلم أنها تواجه جمهورا متشككا.
بعد ثلاثة أعوام من توليها منصب الرئيس التنفيذي، كانت قد وافقت للتو على الخطوة الأكثر طموحا في حياتها المهنية، أي عملية الاستحواذ على شركة أناداركو المنافسة مقابل 56 مليار دولار، على الرغم من خشية كثير من المستثمرين من أنها تدخل في أمر لا قِبَل لها به.
شراء شركة أناداركو، واحدة من أكبر مجموعات النفط والغاز المستقلة في الولايات المتحدة، بأصول حول العالم تمتد من تكساس إلى موزمبيق، سيضاعف حجم شركة أوكسدنتال.
بيد أن الصفقة سترهق، في المقابل، الشركة أيضا بديون تبلغ نحو 50 مليار دولار، لأن الشركة المستهدفة تعاني الفشل في تغطية نفقاتها الرأسمالية من تدفقاتها النقدية التشغيلية.
وعدت هولوب بجني ما يعادل مليارات الدولارات من توفير التكاليف ومكاسب الإنتاجية من الصفقة، إلا أن كثيرا من المستثمرين متشككون من أنها يمكن أن تحقق ذلك.
قال أحد كبار المساهمين العشرة قبل الاجتماع "الأمر ببساطة فادح". وحذر من أن الصفقة تنطوي على عدد من المخاطر التشغيلية، فضلا عن وضع ضغط هائل على الميزانية العمومية لشركة أوكسدنتال.
عدم حماس المستثمرين للصفقة ظهرت دلالاته في سعر سهم أوكسدنتال، الذي انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عشرة أعوام عند قبول أناداركو عرضها.
أثناء مخاطبة نحو 100 مساهم في قاعة مؤتمرات خالية من النوافذ في الطابق السفلي من المقر الرئيس للشركة في هيوستن، أصرت هولوب على أن الصفقة هي "فرصة تحويلية فريدة" لشركة أوكسدنتال.
حيث قالت "سنحصل على أوجه التآزر تلك" من أصول شركة أناداركو. "نستطيع تشغيلها بشكل أفضل من أي شخص آخر. نحن المالك الشرعي" وفقما أضافت.
على الرغم من أن المستثمرين لم تكن لديهم فرصة للتصويت مباشرة على الصفقة، إلا أن تصويتهم على قضايا أخرى، بما في ذلك تعيين أعضاء مجلس إدارة أوكسدنتال، أظهر علامات واضحة على الاستياء.
كانت الرسالة واضحة: إذا كانت هولوب مصممة إلى هذه الدرجة على إبرام هذه الصفقة، فيحسن بها أن تتأكد من نجاحها.
كان هناك درس أكبر: بعد مرور 15 عاما على ثورة النفط الصخري، يريد المستثمرون في كافة أنحاء صناعة النفط والغاز الأمريكية منها أن تبدأ بتحقيق الأرباح لهم.
الزيادة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، الذي خلفته طفرة النفط الصخري، غيّر العالم. الولايات المتحدة هي بمنزلة "منتج قادر على التحكم في الإنتاج للتدخل لتوفير الطلب": مصدر العرض الذي يمكن أن يستجيب في غضون أشهر لارتفاع الأسعار من خلال زيادة الإنتاج.
مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن النفط الصخري يوفر واقيا مطمئنا ضد خطر حدوث أزمة نفط. بيد أنه منذ الأيام الأولى، كانت هناك شكوك بأن الصناعة مبنية على أسس مالية غير مستقرة.
الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي كانت رائدة في التقدم في مجال الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، الذي فتح الصخور الزيتية المنيعة في السابق اعتمدت على الاقتراض المصرفي، ومبيعات الأسهم والسندات، لتمويل النمو.
عينة من شركات التنقيب والإنتاج الرائدة التي جمعتها وكالة "بلومبيرج" كشفت أن إجمالي الإنفاق الرأسمالي، تجاوز إجمالي النقدية من العمليات في كل عام منذ عام 2010.
هذا الفشل المستمر في الاكتفاء الذاتي من الناحية المالية يؤثر بشكل كبير في أسعار الأسهم في شركات النفط والغاز الأمريكية.
منذ بداية عام 2017، ارتفع سعر خام برنت القياسي بنحو 40 في المائة، لكن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لقطاع التنقيب والإنتاج انخفض بنسبة 16 في المائة.
تقول هولوب "إنها تستطيع تحقيق أداء أفضل. من خلال وفورات الحجم والإدارة الفعالة للخدمات اللوجستية والفهم الجيولوجي الفائق، فيما تهدف شركة أوكسدنتال إلى تحسين أداء أصول شركة أناداركو وتوليد تدفقات نقدية حرة مستدامة للمستثمرين".
إذا تمكنت من تحقيق هذه الوعود، فستظهر للعالم أن صناعة النفط الصخري يمكن أن تحصل على مستقبل طويل الأمد مستدام من الناحية المالية.
أما إذا فشلت في ذلك، فإنها ستطلق النذير بأن النفط الصخري يظل فخا بالنسبة إلى المستثمرين غير المستعدين.
للفوز بشركة أناداركو، اضطرت شركة أوكسدنتال إلى طرح عرض أكبر من منافستها الأكبر "شيفرون"، الأمر الذي تطلب بعض المناورات السريعة، في حين إن كلتا الشركتين قدمت عروضا تنافسية.
سافرت هولوب إلى أوماها، في نبراسكا من أجل اجتماع لمدة 90 دقيقة مع وارن بافيت في الـ28 من نيسان (أبريل) الماضي، حيث استطاعت تأمين استثمار بقيمة عشرة مليارات دولار من شركة بركشاير هاثاواي، سمح لها بتحديث عرض شركة أوكسدنتال ليشمل مزيدا من النقدية، بالتالي تجنبت الحاجة إلى طرح الصفقة للتصويت من المساهمين في شركتها.
وقالت للمستثمرين "لإنجاز الصفقة، كان علينا الحصول على تلك الأموال. التوقيت كان حاسما بالنسبة إلينا. أنا سعيدة جدا وممتنة لوارن بافيت لوقوفه إلى جانبنا عندما كنا بحاجة إليه".
مع ذلك، في النهاية، كان الفوز نسبيا. قدمت شركة أوكسدنتال عرضا يساوي نحو 20 في المائة لأكثر مساهمي شركة أناداركو، ورفض الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون، مايكل ويرث، مطابقته.
وقال لصحيفة فاينانشيال تايمز "هذه كانت فرصة ممتازة بالنسبة إلينا، لكنها لم تكن ضرورية بأي ثمن. نحن ببساطة لسنا مستميتين من أجل إبرام الصفقة تلك".
بالنسبة إلى شركة أوكسدنتال، الجزء الصعب بدأ الآن للتو. يجب أن تثبت الآن أن عرضها الأعلى كان مبررا.
المفتاح لإنجاح الصفقة يكمن على بعد نحو 500 ميل إلى الغرب من هيوستن، في حوض برميان في ولايتي تكساس ونيومكسيكو، أهم حقل في طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
إنها منطقة شجيرات المسكيت القصيرة ذات كثافة سكانية منخفضة، فأصبحت فجأة شعلة من النشاط، تسارع الشركات إلى استغلال ما يعد بعضا من الاحتياطات النفطية الأقل تكلفة في العالم فيها.
تضاعف الإنتاج في الأعوام الثلاثة حتى عام 2019، ليبلغ نحو 4.1 مليون برميل يوميا من النفط في أيار (مايو) الجاري. هذا يمثل نحو نصف الزيادة الإجمالية في إنتاج النفط الأمريكي منذ عام 2016، وحوض برميان وحده ينتج خاما من الغزارة بمكان.
تشتمل محفظة شركة أناداركو على مجموعة من العمليات، من آبار المياه العميقة في خليج المكسيك إلى مصنع تصدير الغاز الطبيعي المسال تحت الإنشاء في موزمبيق. كثير من تلك الأصول معروض للبيع، وقد تمت الموافقة من قبل على صفقة لجمع ثمانية مليارات دولار مع شركة توتال الفرنسية، من أجل مشروع الغاز الطبيعي المسال وعمليات أخرى في إفريقيا.
أوضحت هولوب أن الأصول الثمينة حقوق الحفر لشركة أناداركو على مساحة تزيد على ألف كيلو متر مربع من حوض برميان.
تلك الأصول تساوي نحو 17 مليار دولار، وفقا لشركة ريستاد إنرجي للأبحاث. قالت هولوب في الاجتماع السنوي "إن تطبيق الخبرة المتوافرة لدى شركة أوكسدنتال يمكن أن يضيف عشرة مليارات دولار إلى قيمتها".
شركة أوكسدنتال، هي في الأصل واحدة من أكبر شركات الإنتاج في منطقة برميان، وهي أيضا واحدة من أكبر أصحاب حقوق الحفر.
جيف بينيت، نائب الرئيس الأعلى المسؤول عن عملياتها للنفط الصخري، يقول "إنه قبل ثلاثة أعوام كانت على الأرجح في القاع، من حيث الأداء، لكن منذ ذلك الحين تبدلت الشركة.
أمضت الشركة بضعة أعوام في التركيز على الحصول على المسوحات الزلزالية وبيانات أخرى وتحليلها، لمعرفة طرق حفر الآبار بدقة أكبر".
ونشرت منذ ذلك الحين إحصائيات يدل ظاهرها على أنها مثيرة للإعجاب، تدّعي أنها تظهر كيف أن العلوم التطبيقية تحقق أداء متفوقا.
الآبار التي كانت تحفرها في حوض ديلاوير، الجزء الغربي من حوض برميان، أنتجت في المتوسط 74 في المائة من النفط والغاز، أكثر من مثيلاتها لدى شركة أناداركو في الأشهر الستة الأولى من الإنتاج.
يقول توم لوجري، من شركة فريزو لوجري أويل ويل بارتنرز لتحليلات الأسواق "الإنتاج لمدة ستة أشهر ليس بالأمر المهم"، مضيفا أن "شركة أوكسدنتال لم توفر معلومات كافية حتى الآن لإصدار حكم مناسب.
يجب أن تعرف ماذا سيحدث بعد عام وثلاثة أعوام وعشرة أعوام. لا يمكنك الاستنتاج من البيانات التي قدمتها شركة أوكسدنتال التي تفيد أن "أناداركو" تسيء إدارة عملياتها"، على حد قوله.
مع ذلك، من المقبول على نطاق واسع أن أداء قسم النفط الصخري في شركة أوكسدنتال تحسن بشكل كبير.
أندرو ديتمار من مجموعة دريلينج إنفو للأبحاث، يصف شركة أوكسدنتال بأنها واحدة من أبرز المشغلين في المنطقة، إلى جانب شركات إي أو جي ريسورسيز وبايونيير ناتشورال ريسورسيز. ذلك التحسن مكن شركة أوكسدنتال من خفض تكلفة تشغيلها لكل برميل إلى النصف بين عام 2014 ونهاية 2018.
قال بينيت، "ما أسعدني فعلا... كان السرعة التي تمكنا من خلالها من تحويل تلك المعرفة التي كنا نطورها إلى تدفق نقدي. كان رائعا كيف تمكنا بسرعة من التحرك وإنجاز ذلك".
الخطوط الطويلة من الشاحنات الثقيلة التي تهدر عبر البلدات التي كانت ناعسة فيما مضى في جميع أنحاء منطقة برميان، شاهد على دعم طفرة النفط من ممارسة لوجستية هائلة، تنقل الحفارات والمضخات وغيرها من المعدات والإمدادات.
إدخال بئر واحدة فقط في عملية الإنتاج قد يتطلب 600-700 حمولة شاحنة من الرمال، يتم ضخها تحت الأرض بالماء والمواد الكيميائية لفتح الشقوق الصغيرة في الصخور، حتى يتمكن النفط من التدفق.
استثمرت "أوكسدنتال" في منشأة جديدة في موقع تبلغ مساحته 1.62 كيلو متر مربعا في نيومكسيكو، بالقرب من مشاريعها النفطية التي تستطيع تخزين الرمال التي يجلبها القطار من وسكونسن، ما يعني رحلات أقصر بكثير لشاحناتها.
سيتم استخدام ذلك الآن لدعم الآبار التي يتم حفرها وإدخالها في عملية الإنتاج على مساحة شركة أناداركو، التي يبعد بعضها نحو 64 كيلو مترا عبر الحدود في تكساس. كما سيتم استخدام "مركز قرار" جديد بمساحة تزيد على 6317 مترا مربعا، هو قيد الإنشاء بالقرب من منشأة الرمال، من قِبل العلماء والمهندسين في شركة أوكسدنتال لدراسة الآبار ومعرفة طرق تحسينها.
هل سيكون تطبيق تلك القوى العلمية واللوجستية كافيا لتحقيق النجاح الذي تحتاج إليه هولوب؟ النتائج من أعمال حوض برميان في شركة أناداركو تشير إلى أن هناك مجالا للتحسين.
في عرض توضيحي للمستثمرين، قالت شركة أناداركو "إنها تتوقع أن يولد القسم ما يكفي من النقود لتغطية نفقاتها الرأسمالية بحلول نهاية عام 2020، لكن ذلك التاريخ المتوقع يتراجع الآن".
بالنسبة إلى هولوب، ستتم زيادة الحافز للقيام بعملية الاستحواذ بسبب ديون بقيمة 40 مليار دولار، يجب أن تتحملها شركة أوكسدنتال قبل أي مبيعات للأصول، وأرباح أسهم بنسبة 8 في المائة يجب أن تدفعها على الأسهم الممتازة بقيمة عشرة مليارات دولار باعتها إلى شركة بركشاير هاثاواي. إذا فشلت الشركة في تحقيق أداء مرتفع، أو إذا تراجعت الأسعار في سوق النفط مرة أخرى، فإن وضع شركة أوكسدنتال المالي قد يبدو بسرعة في وضع قلق.
إذا كان بإمكان الشركة تحقيق الأداء الذي يرجوه المستثمرون على المدى القصير، عندها ستمنح هولوب الفرصة لإثبات قدرتها على تقديم فوائد أكبر حتى من قبل على المدى الطويل.
شركة أوكسدنتال رائدة عالمية في استخدام ثاني أكسيد الكربون لتحسين إخراج النفط: ضخ الغاز في الخزانات حتى يتدفق مزيد من النفط الخام. كانت الشركة تجري اختبارات للتكنولوجيا في حوض برميان، وستفعل مزيدا هذا العام، مع إمكانية إطلاق أول مشروع تجاري هناك في غضون ثلاثة أعوام.
شركات النفط الصخري لا تستخرج سوى ما يراوح بين 6 و8 في المائة من النفط الموجود في الأرض بتقنيات اليوم. إذا تمكن تحسين الاستخراج من زيادة ذلك إلى ما يراوح بين نسبتي 10 و14 في المائة، كما تشير الاختبارات الأولية، فإن الآثار المترتبة على إنتاج النفط قد تكون هائلة.
تلك الإمكانات من المرجح أن تؤدي إلى استمرار الشركات بالعودة إلى حوض برميان، على الرغم من السجل الضعيف لصناعة النفط الصخري بالنسبة إلى المستثمرين. يقول بينيت "نحن متفائلون جدا بشأن حوض برميان. ستتعلم الشركات كيف تفتح بعضا من الصخور الأقل جودة وإيجاد قيمة من ذلك. ونعتقد أن هناك مرحلة أخرى من الانتعاش من حيث تعزيز استخراج النفط. إن حوض برميان يمثل حجم التأرجح الضروري بين العرض والطلب العالميين، ولن يختفي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES