Author

ارتفاع مساهمة القروض في السوق العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية


سجلت السوق العقارية المحلية نموا في إجمالي قيمة صفقاتها حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري بلغ 30.2 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتستقر عند 50.4 مليار ريال (38.7 مليار ريال الربع الأول 2018). واستمد هذا الصعود قوته من نمو أعلى تحقق لقيمة صفقات القطاع السكني، التي سجلت نموا بلغ 36 في المائة، لتستقر بدورها عند 36.8 مليار ريال (27.1 مليار ريال الربع الأول 2018)، ورغم هذا النمو القياسي؛ إلا أن مستويات قيم الصفقات المسجلة للربع الأول من العام الجاري، لا تزال أدنى من مستوياتها المسجلة في الربع الأول 2017 وما سبقه من فترات، باستثناء القطاع السكني الذي سجل نموا طفيفا لم يتجاوز 1.4 في المائة، بمقارنة الربع الأول لكل من 2019 و2017.
وبالنظر إلى أهم العوامل التي أدت إلى الارتفاع في قيم صفقات السوق العقارية عموما، والقطاع السكني على وجه الخصوص، سيظهر أن العامل الأبرز بين تلك العوامل يعود إلى النمو المطرد الذي طرأ على التمويل العقاري السكني، الذي ارتفعت مساهمته في إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني من 11.9 في المائة بنهاية الربع الأول 2017، إلى 23.7 في المائة بنهاية الربع الأول 2018، لتستقر عند 40.6 في المائة بنهاية الربع الأول 2019. حمل هذا الارتفاع في مساهمة التمويل العقاري للأفراد إلى إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني، ارتفاعا في حجم التمويل العقاري للأفراد خلال تلك الفترة بنسبة وصلت إلى 246.8 في المائة، مرتفعة من 4.3 مليار ريال خلال الربع الأول 2017، إلى أعلى من 14.9 مليار ريال خلال الربع الأول 2019.
كما حمل هذا الارتفاع القياسي في حجم التمويل العقاري الممنوح للأفراد، ارتفاعا في أعداد المقترضين الأفراد للقروض العقارية خلال الفترة نفسها، من أدنى من 143.3 ألف فرد مقترض عقاريا بنهاية الربع الأول 2017، إلى نحو 250 ألف فرد مقترض عقاريا، مسجلا نموا قياسيا خلال الفترة بلغ 74.5 في المائة، وفي حال استمرت الوتيرة الراهنة المطردة النمو للتمويل العقاري الممنوح للأفراد، يتوقع أن ترتفع أعداد المقترضين عقاريا بحلول نهاية العام الجاري إلى نحو 390 ألف فرد مقترض عقاريا، يقدر أن يبلغ حجم التمويل العقاري على كاهلهم بنهاية العام الجاري نحو 241 مليار ريال (نحو 410 مليارات ريال باحتساب الفوائد البنكية).
سيتزامن بكل تأكيد هذا الارتفاع في حجم التمويل العقاري الممنوح للأفراد، وارتفاع أعداد المقترضين عقاريا، مع حدوث ارتفاع مقارب له في معدلات تملك المساكن للمواطنين، وهي إحدى أهم النتائج الإيجابية المرتقبة. إنما تبقى أسئلة أخرى على قدر عال من الأهمية، تستحق الاهتمام الأقصى، حول ما إذا كان لهذه التطورات المتسارعة أي انعكاسات سلبية محتملة على مستويات الأسعار في السوق العقارية، التي لم تستكمل بعد إصلاحاتها الهيكلية ولا تزال في بداية طريقها؟ وهو ما حدث على أرض الواقع حينما شهدت السوق العقارية تسجيل متوسط أسعار الأراضي خلال الربع الأول 2019 ارتفاعا وصل إلى 23.9 في المائة، مقارنة بمستوياتها خلال الربع الأول 2018.
وحول ما إذا كان لتلك التطورات انعكاسات على القوة الشرائية للأفراد المقترضين لآجال طويلة تصل إلى 20 - 25 سنة مقبلة "الذين يراوح الاستقطاع من دخلهم الشهري بين 50 و 65 في المائة منه". أو على مستوى الزيادة المحتملة في أعداد الأفراد المقترضين، ليصل إلى ما بين 1.1 إلى 1.4 مليون فرد مقترض بحلول نهاية 2022، والارتباط الوثيق لتلك التطورات بحجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص، الذي تراجعت مساهمته في الاقتصاد الوطني من 42.8 في المائة بنهاية 2016، إلى ما دون 38.5 في المائة بنهاية 2018، ويتوقع في ظل هذه التطورات أن يستمر انخفاض مساهمته نظير تقلص الدخل المتاح للإنفاق الاستهلاكي من قبل الأفراد المقترضين عقاريا، في ظل ارتفاع نسب الاستقطاع الشهري لسداد تلك القروض طويلة الأجل، الذي سيلقي بآثاره العكسية على التدفقات الداخلة لمنشآت القطاع الخاص نظير بيعها لخدماتها وسلعها محليا.
وفي السياق ذاته؛ لا بد من الأخذ بعين الاعتبار جوانب أخرى تتعلق بدرجات المخاطر على القطاع التمويلي، الذي كان في منأى بعيد جدا عن تضخم وتقلبات الأسعار في السوق العقارية المحلية، وقد أصبح خلال الفترة الراهنة يقترب بمعدلات متسارعة من تلك التقلبات السعرية في السوق، وكيف له أن يتعامل مع أي زيادة احتمال تعثر عديد من المقترضين، إما نتيجة عدم الالتزام بالسداد، أو نتيجة للضعف المحتمل لمنشآت القطاع الخاص في المحافظة على مواردها البشرية الوطنية، نتيجة تراجع التدفقات النقدية الداخلة عليها، مقابل ضعف نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص، أو لانخفاضه في أسوأ الاحتمالات! دعك من الحديث عن الارتفاع المؤكد للإنفاق الحكومي، نتيجة تحمله لدفع كامل الفوائد البنكية للمقترضين من ذوي الدخل الشهري 14 ألف ريال فما دون، الذين يشكلون أغلبية المقترضين والمستفيدين من الحلول التمويلية المطروحة خلال الفترة الراهنة، والمتوقع أن يتصاعد حجم مخصصاتها عاما بعد عام نتيجة الارتفاع المطرد في أعداد المقترضين.
إنها جوانب ذات ثقل كبير، وينبغي التفكير فيها وأخذها بعين الاعتبار منذ اللحظة، والعمل على وضع الحلول المناسبة لها، وهي متوافرة كالعمل على خفض نسب الاستقطاع من الدخل الشهري، بما لا يتجاوز 35 إلى 40 في المائة من الدخل الشهري للأفراد، ما يعني بقاء قدر أكبر من الدخل المتاح لإنفاق الأفراد على بقية مجالات الاقتصاد محليا، سيؤدي بدوره إلى وضع منشآت القطاع الخاص في مستويات أفضل من حيث استقرارها ونموها، والأهم أن تزداد قدرتها على الاحتفاظ بالعمالة الوطنية لديها، وأن تنجح في زيادة التوظيف والتوطين.
الفارق كبير جدا بين أن تتخذ إجراءات معينة، ينتج عنها استقطاع ما يصل إلى 60 في المائة من الدخل الشهري للأفراد لآجال طويلة جدا، يتم دفعها للقطاع العقاري مقابل ما دون 40 في المائة من دخل الأفراد سيتم دفعه لبقية نشاطات الاقتصاد الوطني، وبين أن يحدث العكس تماما؛ ليتم دفع ما لا يتجاوز 40 في المائة من دخل الأفراد للقطاع العقاري، أو أقل من تلك النسبة، مقابل أن تستأثر بقية نشاطات الاقتصاد الوطني بـ60 في المائة أو أعلى من الدخل الشهري للأفراد. والله ولي التوفيق.

إنشرها