بحلول 2022 .. أوروبا منطقة خالية من الفحم
أحد كبار مديري صناديق التحوط للسلع الأساسية في لندن يتوقع أن الطلب على الفحم في أوروبا سينهار في غضون ثلاث سنوات، مراهنا على أن سعر مخصصات انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي سيرتفع إلى مستويات تضطر محطات توليد الكهرباء إلى إغلاق أبوابها في أنحاء القارة كافة.
بير ليكاندر الذي يدير أكثر من 1.1 مليار دولار في "لانسداون بارتنرز" في مايفير، أبلغ "فاينانشيال تايمز" أن الطلب على الفحم سيقترب من "الصفر" إذا بلغت مخصصات الكربون 50 يورو للطن، وهو مستوى يراهن أن تصل إليه مع ارتقاء تغير المناخ إلى أعلى الأجندة السياسية.
قال ليكاندر: "توقعاتي لوصول الفحم إلى أقل من 5 في المائة (من إمدادات الكهرباء الأوروبية) هي ثلاث إلى أربع سنوات، لأنه بمجرد أن يصل إلى سعر كربون بمقدار 50 يورو فإن المحطات سوف تغلق".
وأضاف "أخذ المستثمرون يدركون بشكل متزايد أن تغير المناخ ليس أمرا سياسيا، بل هو حقيقي. وإذا كان حقيقيا عندها أنت بحاجة إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير. وهذا سيحدث. يمكن أن يتم ذلك بشكل أسرع. أعتقد أنه من حيث الأساس سيكون صفرا".
وتأتي تصريحاته بعد أن أعلنت "جلينكور"، أكبر شركة لتصدير الفحم المنقول بحرا في العالم، أنها سوف تحد من إنتاجها من الفحم، مستبعدة مزيدا من التوسع في مناجم الفحم التابعة لها.
وتتعرض شركة التعدين والتجارة العملاقة للضغط في الوقت الذي يزيد فيه مديرو الصناديق تركيزهم على العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة، مع زيادة الطلب من المستثمرين بأن تظهر الشركات أنها تأخذ تغير المناخ على محمل الجد.
واعتبر ليكاندر أن هذا دليل إضافي على حدوث تحول في طريقة تفكير المستثمرين بشأن القضايا البيئية التي يعتقد أنها تسارعت في العام الماضي، ما أجبر الشركات على اتخاذ خيارات صعبة.
وقال: "عندما تبدأ شركة (مثل جلينكور) الحديث عن ذلك، فهذا أمر له دلالة لا يستهان بها".
وتم إدخال مخصصات الكربون في العقد الماضي في أوروبا باعتبارها وسيلة لمعاقبة أنواع الوقود الأكثر تلويثا مثل الفحم، مقابل بدائل مثل الطاقة المتجددة والطاقة النووية والغاز الطبيعي.
وكان ليكاندر من بين مجموعة صغيرة من المختصين في مجال الطاقة والكربون الذين حققوا عوائد قوية العام الماضي، من خلال إدراكهم أن إجراء تعديل على لوائح الاتحاد الأوروبي يعني أن عرض الاعتمادات سينخفض بشكل عجيب اعتبارا من عام 2019.
لكن سعر الكربون في الاتحاد الأوروبي انخفض بشكل حاد في عام 2019، حيث تراجع إلى ما دون 20 يورو، بعد أن زاد أربعة أضعاف العام الماضي إلى أكثر من 25 يورو للطن.
الضعف في أسواق الكربون حتى الآن في عام 2019 أثر في أداء صندوق ليكاندر الذي ارتفع 1 في المائة فقط، مقارنة بعائد بلغ 6 في المائة في عام 2018 و24 في المائة في عام 2017.
مع ذلك، قال ليكاندر إنه يرى أن التصحيح كان مؤقتا فقط. فقد أثر الشتاء المعتدل نسبيا في الطلب على الغاز وأسعاره، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع قصير الأجل في مخصصات الكربون.
وقال إنه يظل "مقتنعا" أن الارتفاع في أسعار الكربون سيستأنف قريبا حيث تشهد شركات المنافع العامة شحا في الإمدادات، ومن غير المرجح أن يحاول السياسيون إيقاف صعودها بالنظر إلى الهدف الأساسي للبرنامج المتمثل في الحد من التلوث.
وبحسب ليكاندر "سنصل إلى ذلك الهدف. ما زلت أؤمن بأسواق الكربون لأنني أعتقد أن سعر الكربون الطبيعي سيكون أفضل عند 50 يورو"، مضيفا أنه يتوقع من القرارات التنظيمية أن تكون داعمة للسعر.
ونحو 80 في المائة من مراكز صندوقه الرئيس، الذي يدير نحو 900 مليون دولار، موجودة في الشركات التي تركز على الطاقة، بينما الخمس المتبقي يستخدم لتداول السلع الأساسية مثل النفط والكربون. وهناك صندوق أصغر يدير نحو 250 مليون دولار في شركات الطاقة النظيفة.
لكن أسعار الكربون الأوروبية الأعلى من غير المرجح أن تكون موضع ترحيب على المستوى العالمي. بولندا التي تعتمد بشدة على الفحم، اشتكت العام الماضي من أن أسعار الكربون زادت بسرعة كبيرة وهي تلحق الضرر باقتصادها.
إذا اضطرت المعامل التي تعمل بالفحم إلى الإغلاق بسرعة، فإن هذا سيثير المخاوف أيضا حول قدرة بعض البلدان على إيجاد إمدادات الطاقة البديلة بسرعة.
وبحسب "بريتش بتروليوم ريفيو"، كان الفحم يمثل نحو 15 في المائة من توليد الكهرباء في أوروبا عام 2017، مقارنة بـ38 في المائة على مستوى العالم. لكن هناك اختلافات كبيرة بين البلدان، حيث تستهلك ألمانيا ثمانية أضعاف الفحم الذي تستهلكه المملكة المتحدة.
وأدخلت الحكومة البريطانية حدا أدنى إضافيا لسعر الكربون في عام 2013 للتعجيل بالتحول بعيدا عن الوقود عالي التلويث، وسيتم التخلص التدريجي من حرق الفحم في المملكة المتحدة بحلول عام 2025.
قال ليكاندر إن انخفاض سعر الطاقة المتجددة يؤدي أيضا إلى تخفيض الطلب على الفحم، وبالتالي ينبغي أن تستمر طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الحصول على حصة أكبر من السوق. وإذا استمرت أسعار الكربون في الارتفاع، كما يتوقع، فإن الوتيرة يمكن أن تتسارع أكثر.
"ما يعنيه هذا بالتأكيد هو أن الفحم بوصفه وقودا لتوليد الكهرباء لا يجدي. سيكون ذلك بمنزلة صدمة".