default Author

امرأة لكل العصور

|

تعرضت سيدة أعمال ناجحة من صاحبات البشرة السوداء للسجن والإدانة والغرامة لأنها رفضت مغادرة مكان مخصص للبيض في إحدى دور العرض السينمائي عام 1946. وتدخل لمساعدتها قادة المجتمع المحلي. وبدأت إجراءات الطعن في الحكم أمام القضاء، لكنها باءت بالفشل في نهاية المطاف، وبعدها بـ60 عاما تتقدم الحكومة باعتذار للسيدة وتصدر عفوا عنها في محاولة لتصحيح الخطأ.
أهي صفحة من كتاب تاريخ يسجل أحداثا شهدها الجنوب الأمريكي؟ ليس تماما.
هذه الحكاية تذكرنا بأحداث دارت أوائل القرن الـ20 في مكان أبعد نحو الجنوب وهو نوفا سكوشا إحدى المقاطعات البحرية على ساحل كندا الشرقي.
لقد أصبحت فيولا ديسموند وقضيتها التي تداولتها المحاكم مصدر إلهام لمن يسعون إلى تحقيق المساواة العرقية في أنحاء كندا. وفي شهادة على لحظة كثيرا ما تغفل وإن كانت فارقة في التاريخ الكندي، تظهر الآن صورتها على ورقة البنكنوت الكندية من فئة العشرة دولارات. وبوصفها أول ورقة بنكنوت رأسية تطبعها كندا، تتميز هذه العملة الجديدة من فئة العشرة دولارات بخصائص أمنية معززة يسهل التحقق منها ويصعب تزييفها، مثل:
- ريش طائر النسر ذي الألوان المتغيرة التي تتحول من الذهبي إلى الأخضر.
- الكتابة بالحبر البارز على أجزاء مختلفة من الورقة.
- الصور التفصيلية ذات البريق المعدني -سقف مكتبة البرلمان ذو القبة المقوسة، وأوراق شجرة القيقب، وعلم كندا وشعار النبالة الكندي- داخل الجزء الشفاف وحوله.
في عام 2014، استعرض بنك كندا الإجراءات المتبعة في اختيار المحتوى المرئي في عملات البنكنوت المصنوعة من مادة البوليمر، وكانت النتيجة هي تعهد البنك بالتشاور داخل كندا على نحو أكثر انفتاحا وأوسع نطاقا لبلورة الفكرة الأساسية في سلسلة البنكنوت الجديدة وتحديد الموضوع الذي تتناوله والصورة التي تطبع عليه.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 عند إطلاق ورقة البنكنوت الجديدة من فئة العشرة دولارات التي تحمل صورة فيولا ديسموند، وصف سيتفن بولوز محافظ بنك كندا المراحل المبكرة من العملية الجديدة بقوله: "وافقني بيل مورنو وزير المالية في أننا تأخرنا كثيرا في وضع صورة امرأة تمثل أيقونة كندية على وجه ورقة بنكنوت يجري تداولها بانتظام" وأضاف: "وعليه فقد طلب البنك من الكنديين اختيار هذه المرأة. وأطلقت هذه الدعوة العنان لسيل من الترشيحات، ما يزيد على 25 ألف ترشيح".
ونتجت عن الترشيحات قائمة ضمت 461 مرشحة مؤهلة. وقام مجلس استشاري مستقل بتخفيض القائمة إلى 12 ترشيحا، ثم أجري استطلاع للرأي العام طلب فيه من الكنديين الإدلاء برأيهم. وأعرب أقل بقليل من 90 في المائة من المجيبين عن عدم اعتراضهم على اختيار أي من الـ12 امرأة. وساعد خبراء التاريخ المجلس على الخروج بقائمة قصيرة ضمت خمسة أسماء، واجتمعت بعد ذلك مجموعات تركيز لتقديم آراء الكنديين العاديين في النساء الخمس. وحظيت القائمة بالموافقة وقدمت إلى البنك، فتشاور بشأنها المحافظ مع وزير المالية. وبموجب قانون بنك كندا، اتخذ الوزير القرار النهائي.
وقال بولوز إن "أوراق البنكنوت ليست مجرد وسيلة مأمونة يمكن أن يستخدمها الكنديون لأداء المدفوعات بثقة. إذ إنها تحكي لنا القصص التي شكلت أيضا؟، ويضيف: "الآن، كل مرة تتداول فيها الأيدي هذه العملة الورقية الرأسية من فئة العشرة دولارات، سنتذكر سعينا المتواصل لإرساء حقوق الإنسان وإحلال العدالة الاجتماعية في كندا".
عندما اشترت فيولا ديسموند تذكرتها في دار العرض السينمائي ذلك اليوم عام 1946، أُعطيت مقعدا في الشرفة ذلك المكان الذي يخصص عادة للمشاهدين غير البيض. لكن نظرها كان قصيرا، ولأنها ليست على دراية بسياسة الدار، انتقلت إلى مقعد في الصالة الرئيسة لتكون أقرب إلى شاشة العرض. ونبهها جامع التذاكر إلى أن تذكرتها لمقعد في الشرفة العلوية، فعادت إلى شباك التذاكر لتشتري تذكرة أخرى تسمح لها بالجلوس في الصالة. وعندما رفض طلبها وأدركت أن السبب هو عرقها غير الأبيض، قررت الجلوس في الصالة الرئيسة على أي حال. وتم استدعاء الشرطة، وأخرجت فيولا بالقوة من دار العرض، ما أحدث إصابة في فخذها، ثم قضت 12 ساعة في السجن ودفعت غرامة قدرها 20 دولارا.
وبينما لم تكن هناك قوانين في نوفا سكوشا تفرض هذا النوع من الفصل آنذاك فلم تكن هناك أيضا أي محكمة في المقاطعة سبق لها الحكم بإباحة سياسات التمييز في الفنادق أو دور العرض أو المطاعم. وكانت تفرض ضريبة قدرها سنتان على تذكرة مقعد الشرفة الذي يبلغ سعره 20 سنتا، بينما كانت الضريبة ثلاثة سنتات على تذكرة مقعد الصالة الذي يبلغ سعره 40 سنتا. فانتهى الأمر بإدانة ديسموند لامتناعها عن سداد ضريبة تبلغ سنتا واحدا للحكومة.
وفي هذا الصدد قالت جنيفر أوكونيل، الأمين البرلماني المساعد لوزير المالية، في كلمتها بمناسبة صدور ورقة البنكنوت من فئة العشرة دولارات: "في عام 1946 اتخذت فيولا ديسموند موقفا شجاعا ضد الظلم كان بمنزلة إلهام لحركة تنشد المساواة والعدالة الاجتماعية في كندا. والآن، بعد مضي أكثر من 70 عاما، نكرمها كأول امرأة كندية تظهر صورتها على ورقة بنكنوت "يجري تداولها بانتظام" ونأمل أن تكون قصتها ملهمة للجيل المقبل من الكنديين كي يحذوا حذوها".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها