FINANCIAL TIMES

انعكاسات مزدوجة لتراجع عوائد السندات على سوق الأسهم

انعكاسات مزدوجة لتراجع عوائد السندات على سوق الأسهم

سوق الأوراق المالية المندفعة تلقى قبولا قويا لدى الجمهور والنخبة. المهم بالذات هنا، هو أسواق السندات الحكومية، التي تقودها سندات الخزانة الأمريكية، وعائدها القياسي للفئة ذات أجل عشر سنوات.
الرسالة الحالية في ميدان السندات السيادية تمثل تحذيرا لسوق الأسهم، في الوقت الذي لا تزال فيه حساسية الأسواق المالية إزاء الإجراءات والمشاكسات التجارية اللاذعة بين واشنطن وبكين، مرتفعة.
تصعيد نذر الحرب التجارية خلال الأسبوع الماضي أثار الأعصاب في الوقت نفسه في أسواق الأسهم، ونتج عن ذلك كما هو متوقع تجدد الانخفاض في عائدات السندات الحكومية، في كثير من الاقتصادات الرائدة.
يتضمن اندفاع سوق السندات حصول ارتفاع في الأسعار وانخفاض في العائدات بالنسبة لأي قارئ ليس على اطلاع على ديناميات الدخل الثابت.
تظهر إيطاليا كإحدى القيم الناشزة الملحوظة في اندفاع الأصول السيادية، ما يوضح آلية ترتيب البلد من قبل المستثمرين على مقياس المخاطر عندما يظهر مصدر ذعر أكبر.
بعد أن انتعشت أسواق الأسهم في كل من أوروبا والولايات المتحدة، أبدت عائدات السندات رد فعل إزاء ذلك، بالكاد.
الانخفاض الأخير في عائدات سندات الفئة الأولى هو دلالة على مكانتها كملاذ للمحافظ الاستثمارية، لكن ثمة محرك آخر يظهر من خلال انخفاض التوقعات المتعلقة بالتضخم، والمخاوف من أن تراجع التجارة سيضر بالنشاط الاقتصادي.
في الولايات المتحدة، يظهر خطر نتيجة من هذا القبيل من خلال سعر فائدة ضمني يبلغ 2.08 في المائة للعقود الآجلة للأموال الفيدرالية في كانون الثاني (يناير) من عام 2020.
ويجري احتساب خفض في سعر الفائدة بنحو 25 نقطة أساس في السوق بحلول نهاية العام، وكما يوضح إيان لينجين من "بي إم أو" لأسواق رأس المال: "ضمن نمط التداول الطبيعي لسوق سندات الخزانة، إن لم يحتسب تخفيض لعدة أرباع في الوقت الذي يتوقف فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن زيادة أسعار الفائدة، حتى إن تباطأت اللجنة في إصدار القرار، سيظل الحذر من تلاشي ما قد يبدو ظاهريا أنه تسعيرا نشطا لاحتمالية حصول تخفيف في سعر الفائدة".
حين ننظر إلى توقعات التضخم في الولايات المتحدة للسنوات الخمس أو العشر المقبلة، سنجد أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لم يحقق هدفه المفضل للقياس بأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية الذي تبلغ نسبته 2 في المائة.
أي زيادة في معدل التضخم في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية سيتم التفوق عليها من قبل سوق السندات، التي تركز على الأذى الذي سيصيب الثقة الواسعة نتيجة العلاقة العدائية المتزايدة بين أكبر اقتصادين في العالم.
يذكر أن الانخفاض الأخير في عائدات السندات الأمريكية وتوقعات التضخم بدأ في منتصف نيسان (أبريل) الماضي، في الوقت الذي كان يبدو فيه أن المفاوضات التجارية في سبيلها إلى تحقيق النجاح، وكانت الأسهم تحلق إلى الأعلى.
لطالما أبدى تجار السندات تشككهم في المنهج التفاؤلي الذي يقول إن النصف الثاني من العام، قد يكشف عن تسارع في الاقتصاد العالمي وأرباح الشركات.
كان ذلك مدعوما بدوره من قبل التدفقات المؤسسية الخارجة من الأسهم خلال جزء كبير من العام، وتحولها إلى سوق السندات.
في الواقع، عائدات سندات الخزانة لأجل عشر سنوات التي انخفضت هذا الأسبوع إلى ما دون 2.40 في المائة، في تطور لافت للنظر بشكل أكبر بكثير، نظرا لانخفاض مطلع هذا العام بعد نوبة سابقة من التوترات التي شهدتها الأسواق، حققت خلالها مستوى بنحو 2.55 في المائة.
المشادات الكلامية بين الولايات المتحدة والصين التي يمكن أن تستمر حتى انعقاد قمة العشرين المقررة في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، تساعد في التأكيد على توجه انخفاض عائدات السندات.
في الماضي، كان ذلك تطورا ساعد في تقليص خسائر الأسهم خلال فترات الاضطراب (عائدات السندات المنخفضة مقياس لسياسة البنك المركزي المتساهلة، وهذا هو الدافع وراء الشراء في حال تراجع أسعار الأصول الخطرة).
مع استمرار المفاوضات التجارية، ينبغي أن يتضح ما إذا كانت عائدات السندات دقيقة في محلها، وما إذا كان الاقتصاد العالمي في وضع أكثر ضعفا بكثير، مما تدل عليه حاليا الأسهم العالمية.
كما يشير انخفاض عائدات السندات الأمريكية أيضا إلى أن سوق السندات لا تتوقع بيع الصين لمقتنياتها الهائلة من سندات الخزانة كتدبير انتقامي.
هناك رابط على موقع وزارة الخزانة الأمريكية على الإنترنت، يبين أن الصين تحتل مرتبة متقدمة تتصدر قائمة البلدان الأجنبية المساهمة بحيازة 1.13 تريليون دولار من السندات الأمريكية، وهذا الرقم تراجع بشكل يسير خلال العام الماضي.
كانت مقتنيات هونج كونج ثابتة بنحو 200 مليار دولار خلال العام الماضي، في حين أن من غير المعروف حجم المقتنيات التي تحتفظ بها الصين في مراكز مالية أخرى مثل لندن وبروكسل.
هنالك احتمال بأن يحصل ارتفاع في بيع بعض سندات الخزانة، فيما لو تراجعت قيمة الرنمينبي إلى سبع وحدات مقابل الدولار.
في حين أن العملة الرخيصة تساعد في التعويض عن الضرر الناتج عن الرسوم الجمركية، إلا أن بكين تحاذر السماح بحصول تراجع مفاجئ في قيمة الرنمينبي (نظرا إلى حجم الأضرار الجانبية الناجمة عن مثل هذا التطور)، وبالتالي فإنها ستتدخل لتدافع عن ذلك المستوى كجزء من عملية خفض منظمة.
بيع سندات الخزانة للمساعدة في الدفاع عن الرنمينبي المتراجع لن يعني أن بكين تعمل على تصعيد الأمور، على الرغم من أن ذلك لن يوقف البعض من أن يقفز إلى مثل هذه النتيجة.
على المدى الطويل، هنالك مجال أمام بكين للتحول بعيدا عن سندات الخزانة الأمريكية، لكن في هذه المرحلة لن تؤذي إلا نفسها والنظام المالي العالمي، من خلال بيع كمية كبيرة من مقتنياتها.
يقول آلان راسكن من "دويتشه بنك": "النهج الأكثر احتمالا هو حصول تراجع هيكلي بطيء في مقتنيات الصين من السندات الأمريكية، بدلا من حصول "إغراق".
إن وصلت الصين إلى مرحلة اتخاذ إجراءات حقيقية لتقليص ما لديها من مقتنيات مالية أمريكية، فمن المحتمل أن تبدأ في اتخاذ خطوات أولية، بدلا من اتخاذ قرارات متهورة ومتسرعة، على الأقل لأن الصين ستحاول معايرة أي تأثير على الصعيد العالمي، والأثر الإيجابي المقترن به".
تواجه الصين أيضا معضلة تخصيص الأصول. سندات الخزانة الأمريكية متميزة عن باقي الأصول الأخرى من حيث الحجم الكلي إلى السوق والسيولة، ما يجعل الصين تعاني من أجل العثور على بديل لإدارة احتياطياتها.
السندات الحكومية اليابانية والسندات الألمانية أبرز الأسواق المنافسة لسندات الخزانة الأمريكية. تعطي تلك الأسواق عائدات سلبية تمتد عبر السندات القياسية الموازية لها لأجل عشر سنوات.
في الوقت الذي كانت الصين تشتري كميات أكبر بكثير من الذهب في الآونة الأخيرة، يشير مارك تشاندلر من "بانوكبيرن" للعملات العالمية إلى أن قيمة سندات الخزانة التي تمتلكها الصين تعادل نحو خمس سنوات من إنتاج الذهب (3200 طن بسعر 64 مليون دولار للطن).
وهذا يجعل الصين تسعى لالتماس سبل أخرى من أجل ممارسة الضغط على الولايات المتحدة، في الإجراءات الانتقامية المتبادلة بشأن التجارة. مع ذلك، هنالك اعتراف على نطاق واسع يفيد بأنه على مر الزمن، ستسعى الصين لتنويع مقتنياتها بالابتعاد عن السندات الحكومية الأمريكية.
في شركة تي دي للأوراق المالية، يعتقدون أن أي انخفاض مجد في مقتنيات الصين من السندات الأمريكية، سيحصل خلال الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة.
العائدات الأكثر انخفاضا بكثير من المستوى الحالي ستجعل الصين مضطرة للبيع بأعلى الأسعار، وفي سوق تطلب مزيدا من الإمدادات من سندات الخزانة الأمريكية.
"نعتقد بدلا من ذلك أن اتخاذ مثل هذه الخطوة ربما يكون مجديا بشكل أكبر في بيئة شبيهة بالركود الاقتصادي الأمريكي، حيث يوجد انخفاض متلازم بشكل أكبر في العائدات بسبب السياسة المتبعة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (سياسة التخفيضات) لمواجهة التدفق والتقليل من صدمة التقييم".

مشاهد من الأسواق

التأمين مهم بالنسبة للمستثمرين - هذه هي الرسالة الواردة من أحدث استبيان شهري أجري على المستثمرين المؤسسين، من قبل بنك أوف أمريكا الذي ذكر: "أكثر من ثلث المستثمرين الذين شملهم الاستبيان اشتروا التأمين ضد حصول انخفاض حاد في أسواق الأسهم على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، أعلى مستوى في تاريخ الاستبيان".
يضيف مايكل هارتنيت، كبير خبراء الاستثمار الاستراتيجيين في البنك قائلا: "لا يرى المستثمرون أن هنالك سببا وجيها للشراء في أيار (مايو) ما لم يكن هناك تغير مفاجئ وسريع إلى الأعلى في العوامل الثلاثة - الائتمان والمستهلكين والصين- وبشكل سريع".
الذهب مقابل الفضة - تراجع الذهب مرة أخرى ليصل إلى أقل من 1300 دولار للأونصة، وقد حقق أيضا في الآونة الأخيرة نجاحا أفضل بكثير من الفضة.
يذكر مارشال جيتلر من "إيه سي إل إس جلوبال" أن نسبة الذهب إلى الفضة وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1993، وفي حين أن ذلك يشير إلى أنه قد حان الوقت لشراء الفضة وبيع الذهب، إلا أنه يقدم الفكرة التالية: "يغلب على الذهب أن تكون له جاذبية أكبر من حيث كونه ملاذا، في حين تستخدم الفضة في العمليات التجارية، وبالتالي تكون أكثر تأثرا بالدورة الاقتصادية.
كما ترون، يغلب على النسبة أن ترتفع خلال فترات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة.
لذلك، إن تسببت العلاقة التجارية المتوترة بين الصين والولايات المتحدة في دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود، يمكن أن نتوقع أن يتفوق الذهب في أدائه على الفضة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES