Author

الأزمات المالية العالمية .. أسس ومقترحات

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


أسس الأزمات العالمية ترجع أولا إلى حب شديد للمال والدنيا، قال نبينا "لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" صحيح البخاري. ثانيا: إلى ثقة زائدة مصحوبة بحب المغامرة. ثالثا: إلى عولمة في النظام المالي ساعدت التقنية الحديثة على ظهورها. وآلت هذه الأسس الثلاثة إلى إفراط في حجم الديون.
يجري أبطال المشهد وراء أدوات مالية، واشتقت أدوات من تلك الأدوات، واشتقت من المشتقات مشتقات، ويجمع بين الجميع أنها ديون مشتقة من ديون، جرت إلى اختراع تأمين على الديون، اشتق منه تأمين وهكذا في سلسلة. حتى تعقد المشهد وأصبح صعبا على الفهم والملاحقة حتى على أبطاله.
حب الدنيا وما يجره من طمع ليس بجديد. الجديد عولمة اجتاحت الدنيا ومنه النظام المالي، ساعدت التقنيات الحديثة على تسارع العولمة، واكتملت المساعدة بتراخي سلطات مالية لدول في مراقبة الوضع، ما زاد في قوة الكارثة. لماذا التراخي؟ تتعدد التفسيرات.
ويدور سؤال عالمي عن كيفية منع تكرار أكبر أزمة مالية عالمية وقعت قبل عشر سنوات تقريبا.
سعت السلطات الأمريكية إلى حل الأزمة، لكن المشكلة تجاوزت أصلا حدود الأمريكان، ما يعني أنه يحق للآخرين أن تكون لهم كلمة. وتجاوز المشكلة لتصبح عالمية مسألة مسلما بها، حتى إن وزير الخزانة الأمريكية قال وقتها إنه يحق للبنوك الأجنبية العاملة في أمريكا الحصول على مساعدة الحكومة الفيدرالية. بل طلب من الدول الأخرى أن تضع برامج إسعافية لنفسها، وقد حدث هذا، فقد تسارعت بنوك مركزية إلى التدخل في الأسواق المالية لخفض التأثيرات والأضرار.
حاليا تعاني دول كثيرة وعلى رأسها أمريكا عجزا هائلا يمول جزء كبير منه من أموال أجنبية. بل حتى خطة الإسعاف التي طرحت في أمريكا وقتها كان تمويل جزء كبير منها من دول ومؤسسات غير أمريكية. ووراء هذا التوسع في العجز ما وراءه من أسباب ودوافع. يجمع بينها في النهاية حب ابن آدم للدنيا.
عندما ألمت بالعالم قبل الحرب العالمية الثانية متاعب مالية متعلقة بأسعار الصرف وموازين المدفوعات، تسارعت دول العالم إلى إنشاء صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية لتنظيم ومراقبة النظام المالي العالمي. لكن الأزمة المالية العالمية خرجت عن حدود عمل وقدرات هذه المؤسسات. تلك المنظمات خاصة صندوق النقد الدولي لا تملك القدرة على ضبط النظام المالي العالمي كما كان يؤمل عند إنشاء هذه المنظمات فالظروف غير الظروف.
كان على رأس أهداف إنشاء صندوق النقد الدولي ضبط النظام المالي العالمي بالتركيز على مالية الحكومات وأسعار الصرف وموازين المدفوعات. أما الآن، فتخرج الحاجة إلى تطوير نظام صندوق النقد الدولي ليعكس التطورات المالية الأخيرة، ويعطي قدرة أعلى في ضبط ومراقبة السوق المالية العالمية. من المهام التي ينبغي أن تعطى اهتماما أكبر رصد المخاطر العالمية وتسجيل ومراقبة سلوكيات المؤسسات المالية ذات النشاط العالمي.
ينبغي أن تجرى التعديلات بإعطاء دول صاعدة اقتصاديا وزنا أكبر في المسرح المالي العالمي، مقابل تقليص الوزن المعطى للولايات المتحدة. ربما يتشكل جهاز رقابي مالي دولي. ويقترح أن تدخل في إدارة التنظيم الجديد هيئات أسواق المال، إضافة إلى البنوك المركزية. وينبغي أن تعطى مقاعد دائمة وبأصوات أقوى لاقتصادات صاعدة أخرى، بشرط اجتيازها معايير تنبئ عن جودة البناء المالي فيها.
وفي إطار ما سبق، ينبغي السعي الجاد للحد من التوسع في المديونيات. وبلغة أعم، تشديد القوانين، بما يسد الذرائع للوقوع، لأن الناس "ما ينعطون وجه". وبالله التوفيق.

إنشرها