Author

إيران وافتعال الأزمات في المنطقة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية


عندما بدأت الثورة الإيرانية في العقد الثامن من القرن الماضي حملت كثيرا من الشعارات التي تسعى بها إلى قيام دولة إسلامية، ونشر مبادئ ولاية الفقيه في العالم الإسلامي، من خلال مختلف الطرق التي لم تفتأ عن استغلال كل الفرص لنشر عقيدتها الضالة، التي تسعى إلى دعم كل صور الدمار حولها في العالم العربي، بل حتى الإسلامي والأقليات المسلمة، خصوصا في البلدان الفقيرة، التي يعاني فيها المجتمع المسلم داخل تلك الدول حالة الفقر التي أوصلته في كثير من الأحوال إلى الجهل، تبدأ بدعوة هذه الأقليات وإغراء بعض أفرادها بالمال للوصول بهم إلى الانضمام إلى ميليشيات توظفهم في كثير من العمليات التي يعد كثير منها إرهابيا، وتدعم نشر ثقافة الإرهاب حتى بين الأشخاص الذين لا يؤمنون بمبادئها، باعتبار الإرهاب اليوم أصبح تجارة، تستفيد منه دول مثل إيران وتوظفه لمصالحها.
المتابع لما آلت إليه الأمور عند النظام الحاكم يذكرني بما جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده"، فسلوك إيران اليوم يوحي بأنها تتصرف خارج سياق التاريخ، إذ إن الدول العظمى حاليا لا تمارس السلوك الذي تمارسه من أجل بناء إمبراطورية فارس باستغلال بعض المغرر بهم في المجتمعات العربية والمرتزقة من دول أخرى، ظنا منها أن ذلك سيحقق لها تمددا خارج حدود إيران والحصول على ثروات الدول التي حولها في المنطقة، إلا أن ما آلت إليه الأمور أن الأوضاع ساءت في كل جوانبها سواء السياسية أو الاقتصادية بل الحياة اليومية لأبناء إيران الذين أعيتهم حالة التدهور، التي أصبحت مستمرة وتتزايد رغم ما لدى بلدهم من ثروات هائلة، يمكن أن تتحول بها حياتهم إلى حالة لا تقل عن الوضع الحالي لدول الخليج، فما لديهم من ثروات وموقع استراتيجي وحضارة يمكن أن تحسن من الظروف العامة في البلاد، وتحسن من علاقاتها بالعالم.
الجمهورية التي تصف نفسها بأنها إسلامية وتريد أن تنشر الإسلام بمفهوم ولاية الفقيه بمختلف الطرق، بدأت بالبلاد الإسلامية خصوصا العربية، لتتسبب في حالة من الدمار لتعود بتلك البلدان إلى حالة من الفقر والشتات الذي لم تشهده تلك البلاد من قبل، فهي أحد الأسباب الرئيسة وراء الأزمة التي تشهدها سورية واليمن ودول عربية أخرى، وبدلا من أن تتوجه أسلحتها وخططها وميليشياتها وجنودها لحماية المسلمين ودعم المجتمعات المسلمة ودعم قضاياهم في كل محفل، أصبحت أداة للدمار في البلدان الإسلامية فقط، وتوجهت أسلحتها إليها دون غيرها، خصوصا بلاد الحرمين، التي أصبح الجميع شاهدا على أنها أصبحت الهدف الأول لها في العالم، بدلا من إسرائيل كما تدعي، ففي الوقت الذي يعلو فيه صوتها تجاه الكيان الصهيوني تتوجه أسلحتها تجاه بلاد الحرمين السعودية، وحوادث الناقلات في ميناء الفجيرة والحوادث التخريبية لخط الأنابيب، التي تحمل بصمات الميليشيات المدعومة من إيران، شاهدة على هذا الاستهداف، سيؤول بالدمار عليها قبل أن يتضرر غيرها.
لا شك أن الحرب دمار، والعالم اليوم لا يمكن أن يسمح بوجود دكتاتورية جديدة تمارس مغامرة سياسية وتستثمر كل مواردها فيما يؤدي إلى الدمار في العالم، فالحركة الملاحية التي تسعى إيران إلى تعطيلها تعد شريانا للاقتصاد العالمي، وقد يحدث ذلك أضرارا للاقتصاد العالمي وفرص وصول النفط إلى العالم، فحتى من تعتقد إيران أنهم يمكن أن يخففوا الضغط العالمي عليها لا يمكن أن يتحملوا سلوكها المتهور العدواني الذي يؤثر في اقتصادهم.
صور لا تحصى من السلوك العدواني، وما زالت إيران تستثمر كثيرا في دعم الدمار في المنطقة، حيث إن دعم الميليشيات المارقة اللا محدود أصبح اليوم على حساب قوت شعبها ومستقبل اقتصادها حتى لم يبق لها إلا أن تكون حاليا في حالة من الانهيار المتكامل، الذي سينشأ عنه إرث قد يمتد إصلاحه إلى عقود في ظل الحراك العالمي.
وهنا وقفة لكل من يعول على النموذج الإيراني، أو النسخ الأخرى لما يسمى بأحزاب الإسلام السياسي بمختلف صورها التي خرجت عن المنهج النبوي في ممارساتها، وزادت من حالة الخراب التي نشأت بعد الثورات، التي استغلتها إيران ووظفتها لزيادة حجم الدمار في المنطقة، حتى أصبح أتباع تلك الأحزاب والمتعاطفون معها يقفون ضد مصالح أمنهم ويبررون ممارسات طهران العدوانية ضد أمتهم، ولذلك فإن التبرير لهذا النظام تشويه لصورة الإسلام، واستجلاب الدمار إلى منطقتنا التي لا تحتاج إلى مزيد من الحروب والدمار. والشعب الإيراني اليوم هو أحوج ما يكون إلى موارد بلده من الميلشيات التي لن تحقق لنظام طهران مراده، وستستمر في استنزاف موارده وثرواته.

إنشرها