Author

لعبة أسعار النفط بين العقوبات والحرب التجارية

|

ربما تكون الحرب التجارية قد تسببت في انخفاض أسعار النفط في بداية الأسبوع الماضي، لكن قرار الولايات المتحدة بإرسال سفن حربية إلى منطقة الشرق الأوسط يعد علامة على تصعيد محتمل في الصراع مع إيران. لقد تأرجحت أسواق النفط في بداية الأسبوع الماضي حيث حاول المضاربون موازنة عاملي عدم الاستقرار هذه. بخصوص إرسال القطع الحربية، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي إن الهدف من إرسال مجموعة من السفن البحرية الضاربة إلى الشرق الأوسط هو إرسال رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن أي هجوم على المصالح الأمريكية في المنطقة سيواجه بقوة كبيرة. لقد كان لدى مستشار الأمن القومي الأمريكي دائما موقف متشدد من إيران، ويقال إنه طلب من مؤسسة الأمن القومي منذ أشهر أن تضع خططا لضربة عسكرية. يجب النظر إلى قرار الولايات المتحدة بإرسال سفن حربية إلى الشرق الأوسط في سياق الداعم لأسعار النفط. الولايات المتحدة التي ربما تشعر بالإحباط من حملتها لتغيير النظام في فنزويلا، أعادت أنظارها إلى إيران، وهو هاجس دائم لها.
وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع فقط من انتهاء مدة الإعفاءات من العقوبات على تصدير النفط، وتهدف الولايات المتحدة من هذه الخطوة إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر. وتنظر إدارة الرئيس الأمريكي أيضا عقوبات على الموارد غير النفطية الأخرى كوسيلة للضغط على إيران.
لقد كانت الزيادة في أسعار النفط حتى الآن هذا العام يحركها جانب العرض بصورة رئيسة، حيث قامت منظمة أوبك وحلفاؤها بإخراج نحو 2.2 مليون برميل يوميا من الأسواق، وهذا الرقم يشمل أيضا الانقطاعات غير الطوعية في إيران وفنزويلا. في هذا الجانب، كتب بنك أمريكا ميريل لينش في مذكرة في بداية هذا الشهر قائلا: "لقد تراجعت صادرات إيران من الخام من 2.5 مليون برميل في اليوم إلى نحو 600 ألف برميل في اليوم في كانون الأول (ديسمبر) قبل أن تنتعش هذا العام". مع انتهاء صلاحية إلغاء العقوبات في أيار (مايو)، توقع البنك مزيدا من الضغط على صادرات النفط الإيرانية وتوقع أن تنخفض كميات التداول إلى 500 ألف برميل في اليوم في النصف الثاني من عام 2019 وقد تصل إلى الصفر اعتمادا على مدى قلق المشترين من العقوبات.
وقال البنك أيضا إن إجمالي انقطاعات الإمدادات العالمية وصل الآن إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود إلى أربعة ملايين برميل في يوم. من التجارب السابقة، قال بنك الاستثمار "إن تأرجح كل مليون برميل في اليوم من جانب العرض يعادل 17 دولارا للبرميل تقريبا في أسعار النفط".
ومع ذلك، على الرغم من ارتفاع الأسعار الفورية وأسعار العقود الآجلة قصيرة الأجل بشكل ملحوظ هذا العام، إلا أن العقود الآجلة طويلة الأجل لم ترتفع إلا بشكل متواضع. في هذا الجانب، لاحظ عدد من المحللين أن أسعار العقود الفورية ارتفعت بمقدار 20 دولارا للبرميل مقارنة بشهر كانون الأول (ديسمبر)، لكن أسعار العقود الآجلة لثلاث سنوات ارتفعت بمقدار ستة دولارات للبرميل فقط. وهذا يجعل من الصعب على شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة أن تقوم بعمليات تحوط Heging في الإنتاج المستقبلي، ما يزيد صعوبة نمو الإنتاج. بمعنى آخر، قد تكون استجابة النفط الصخري أكثر تواضعا مما يعتقد معظم الناس على الأقل حتى نهاية فترة منحنى العقود الآجلة.
وهذا يعني أيضا أن "أوبك" وحلفاءها قد التزموا بالكامل باتفاق خفض الإنتاج. هناك الآن مخاوف أقل من أن يؤدي خفض الإنتاج إلى تحفيز استجابة كبيرة من قبل النفط الصخري، على الأقل أكبر بكثير من المستويات المرتفعة المسجلة بالفعل في الوقت الحاضر. علاوة على ذلك نظرا لأن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى ارتفاع أسعار النفط للإيفاء بمتطلبات الموازنة، فمن المتوقع أن تتحرك ببطء في إعادة الإنتاج إلى مستوياته السابقة. في هذا الجانب، يتوقع عدد من البنوك الاستثمارية ألا تهبط أسعار خام برنت دون 70 دولارا للبرميل لفترة طويلة. 
إن هاجس الولايات المتحدة مع إيران يفرض مزيدا من الضغوط التصاعدية على أسعار النفط الخام، كما أن تحريك السفن الحربية بالقرب من إيران أمر مثير للقلق. البراعة، من وجهة نظر إدارة الرئيس ترمب، هي كيفية تصعيد الصراع مع إيران "وفنزويلا، في هذا الصدد" دون إرسال أسعار النفط إلى أعلى. حيث إن ارتفاع الأسعار يشكل تهديدا سياسيا محليا. 
انطلاقا من رد فعل أسواق النفط في بداية الأسبوع الماضي -هبوطا طفيفا خلال تداولات منتصف اليوم، ولكن ارتفعت في وقت لاحق من بعد الظهر– ربما وجدت إدارة الرئيس ترمب الحل لهذا المأزق. حيث  كثفت الحرب التجارية مع الصين في الوقت نفسه الذي صعدت فيه الإدارة الصراع مع إيران. عادة، من شأن المخاوف من الصراع في الشرق الأوسط رفع الأسعار. لكن هذه المخاوف تم تعويضها بشكل واضح من خلال إدراك المخاطر على الاقتصاد العالمي من الحرب التجارية مع الصين. لذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تؤجج الصراع مع إيران وفي الوقت نفسه تكبح جماح أسعار النفط. لكن هذا قد يكلفنا استقرار الاقتصادي العالمي، وهذا ثمن باهظ للعبة الأسعار هذه. 

إنشرها